يحمل تاريخ 14 أغسطس عام 1971 ذكرى عزيزة في تاريخ ذاكرتنا الوطنية وصفحة مضيئة في سجل نضالات شعبنا عندما رفض التبعية لأية دولة أجنبية مؤكدا على هوية البحرين العربية وسيادتها.
لقد جاء قرار الاستقلال في أغسطس معبراً عن الوقفة الوطنية الصادقة وثمره من ثمار نضالات الشعب بكل أطيافه ومكوناته الاجتماعية والسياسية والتي تجسدت في انتفاضاته المتعاقبة في الخمسينات وما قبلها وما بعدها والذي أثبت طوال ولائه للوطن وليس الطائفة بقيادة هيئاته ومنظماته وقواه الوطنية التي رفعت لواء الاستقلال وطالبت بخروج المستعمر البريطاني من أرض البحرين ورفضت المطالبات الإيرانية آنذاك، وقدمت الكثير من التضحيات تجلت في كوكبة من الشهداء، ونفى عدد من المواطنين الأحرار واعتقال العديد من المطالبين بالحرية والاستقلال.
وأننا نستذكر بكل فخر هذه الذكرى العزيزة فأننا نستعيد بها مجريات الرابع عشر من أغسطس قبل أربعة وأربعون عاماً وما كرسته من عروبة البحرين واستقلالها بعد صدور القرار التاريخي عن هيئة الأمم المتحدة والذي كان معبراً ومترجماً لإرادة شعب البحرين بكل أطيافه ومكوناته.
وكنتيجة حتمية للوقفة التي وقفها شعب البحرين وقواه في نيل الاستقلال، جاء دستور 1973 باعتباره عقد اجتماعي جديد يعكس الواقع السياسي ما بعد الاستقلال بكل توازناته السياسية والاجتماعية في تلك المرحلة، وبموجب هذه الدستور جرى تحديد الحقوق والواجبات، ورسم العلاقة بين السلطة والشعب وآفاقها المستقبلية، وكان إطارها العام هو العدل والحرية والمساواة، ودعم الوحدة الوطنية وتعزيز روح التضامن الاجتماعي، وهو ما ساعد على تنظيم الحياة السياسية وأوجد حالة انفراج سياسي جديد، كان يجب البناء عليه لتعزيز التجربة الديمقراطية الوليدة، عبر صهر طاقات هذا الشعب وتوحيدها في بناء هياكل الدولة السياسية والدستورية
والتشريعية بالشكل الذي يعبر عن إرادة هذا الشعب وكل القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية وترسيخ مبادئ العدل والمساواة أمام القانون لكل أبناء الوطن دون تمييز أو إقصاء، من أجل تثبيت دعائم التحول الديمقراطي والنهوض السياسي والاجتماعي في الدولة الحاصلة للتو على استقلالها، وكان من شأن هذه التحولات لو تمت أن تعطي للاستقلال معنى وحصانة وللحرية مصداقية وضمانة.
ولكن مع التوجه الذي برز بالتفرد الحكم وبسط سياسات التمييز الطائفي والسياسي والإقصاء، والإصرار على تهميش دور القوى السياسية ومحاصرة مؤسسات المجتمع الوطني وشل فعالياتها وتجاهل مبادئ وقيم حقوق الإنسان، والمضي في سياسة القمع للحريات لم تطل التجربة البرلمانية الوليدة أكثر من عامين قبل أن تحصل تلك الردة السياسية التي أجهضت التجربة بتعطيل الحياة السياسية وحل المجلس الوطني في أغسطس 1975 وإدخال البلد في سجن قانون أمن الدولة سيء الصيت، الذي أشاع القمع في طول البلاد وعرضها، ومعه تزايدت حالات الانتهاكات واكتظت السجون والمعتقلات بالمناضلين الشرفاء، وتقاسمت قرى ومدن البحرين قافلة الشهداء.
في ظل هذه الأجواء لم يكن أمام شعبنا وكل القوى السياسية الوطنية والقومية والإسلامية سوى خيار مواصلة النضال لتغيير هذا الواقع المرير الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود واجه فيها شعبنا الكثير من المعاناة وصنوف القهر والظلم.
وكان صدور ميثاق العمل الوطني في 2001 قد شكل فرصة لطي تلك الصفحات المليئة بالتسلط وأن يكون هذا الميثاق بوابة جديدة يعبر منها وطننا إلى آفاق الإصلاح الديمقراطي. لكن دستور عام 2002 وما نجم عنه من مجلس تشريعي منزوع الصلاحيات التشريعية والرقابية قد أفسح المجال لمواصلة الفساد والقمع وانتهاك الحريات وتدني المستويات المعيشية وسرقة الثروات العامة، وهي جميعا شكلت الأرضية الخصبة لتفجر أحداث فبراير 2011 والتي تتواصل فصولها المليئة بصور التضحيات والبذل والعطاء لغياة اليوم.
وعندما نقوم باستحضار كل ذلك اليوم وفي هذه الذكرى العزيزة فأننا نريد التوقف ملياً بموضوعية وبمسؤولية وطنية وأخلاقية أمام الأزمة المستفحلة التي وصل إليها وطننا، والبحث عن سبيل الخروج منها بعيداً عن العقلية القديمة والاشتراطات الماضية التي تتعامل مع المواطنين كرعايا وليس شركاء في الحكم وصناعة المستقبل.
إننا نؤكد مجدداً إن الأزمة الراهنة هي أزمة سياسية ودستورية وحقوقية، لن تجدي معها أية حلول أمنية، ونطالب الجميع وعلى رأسهم الدولة استخلاص العبر والدروس من تجارب الماضي والحاضر والدفع بإعادة بناء جسور الثقة التي تصدعت وتهيئة الأجواء أمام الحلول السياسية التي لن تأتي سوى عن طريق الحوار الجاد والحقيقي الذي يستجيب لمطالب الناس في الحرية والعدالة والمساواة، والمواطنة الصالحة وتنفيذ توصيات بسيوني، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الرموز السياسية، ووضع حد للانتهاكات والمداهمات للبيوت، وتصحيح المعادلة السياسية والاجتماعية غير المتوازنة في هذا البلد من خلال البدء في مسيرة الديمقراطية الحقة.
وعلى الجميع أن يحسن قراءة الماضي والحاضر جيداً، ويستوعب ما يجري من حولنا، لأن في ذلك تغليب لمصلحة الوطن وحقه في الحياة والتطور، دون الوقوع في أسر الانتماءات الفئوية والحزبية المذهبية التي تخرب الأوطان.
إن مثل هذه الحلول هي الوحيد الكفيلة بنقل الوطن، كل الوطن، إلى بر الأمان واسترجاع وحدتنا الوطنية، وذرء الاخطار المحدقة داخليا وخارجيا وإغلاق الأبواب امام تهديدات الإرهاب والعنف أي كان مصدرها.
كما إننا نؤكد في هذه المناسبة، إصرارنا على مواصلة درب النضال إلى جانب شعبنا وقواه الوطنية متمسكين بنهجنا السلمي الحضاري, وبوحدتنا الوطنية، وبثوابتنا الوطنية والقومية حتى تحقيق مطالب شعبنا المحقة والمشروعة.
المجد لذكرى الرابع عشر من أغسطس والخلود لشهدائنا الإبرار
التجمع القومي الديمقراطي
13 أغسطس 2015