في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة اعوام كان شعبنا على موعد مع تفجر انتفاضته المجيدة في 14 فبراير 2011، بعد ان توالت الوقائع والمؤشرات على انعدام افق الاصلاحات السياسية والدستورية الحقيقية، ووصول التجربة الإصلاحية المحدودة الى جدار مسدود بعد ان فقدت حيويتها، مع تراجع دور وأداء مؤسسات الدولة الحقيقية وتزايد سطوة الاستبداد والاستحواذ على مقاليد السلطة والثروة وغياب العدالة في توزيع الثروات الوطنية، وهو ما اعطى مشروعية للحراك الشعبي السلمي الذي انطلق مطالباً بالإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي، حاملاً في ذات الوقت تأكيداً على إصرار شعبنا على حريته وإرادته وتمسكه بمطالبه في الحرية والعدالة والكرامة الانسانية كرد طبيعي على الاوضاع السياسية والاجتماعية المضطربة في البلاد، كان ذلك قبل ان تقرر السلطة سلوك طريق الحلول الامنية والعسكرية وقمع الحراك الشعبي عبر استخدام أشرس الوسائل القمعية، ودفع الوضع السياسي والأمني الى مرحلة متأزمة وخطيرة طالت كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اعقاب دخول قوات درع الجزيرة، وإعلان حالة السلامة الوطنية –الطوارئ- في 13 مارس 2011 والبدء بحملات أمنية واسعة ضد القوى الوطنية المعارضة وضد كل المواطنين الذين شاركوا في هذه الانتفاضة، وسقط جراءها العشرات من الشهداء ومئات من السجناء والضحايا والمفصولين من اعمالهم.
واليوم حيث تمر الذكرى الرابعة على الحراك الوطني الذي جاء في سياق مسلسل الثورات والانتفاضات التي اجتاحت العديد من الاقطار العربية، لا يزال المشهد السياسي البحريني يتسمم بحالة من الجمود والترقب الحذر لما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع في البلاد، في ظل التطورات الاقليمية المتسارعة، والنزاعات المتفاقمة والتي تأخذ ابعاداً سياسية وطائفية خطيرة، وهو ما يدفع بنا الى اعادة تأكيد مواقفنا المبدئية من الاحداث التي يعيشها بلدنا، وضرورة الاسراع باتخاذ الخطوات العملية من جانب النظام لإخراج البلاد من ازمتها السياسية والدستورية عبر الاستجابة لمطالب الشعب في الحرية والديمقراطية والمساواة، ونجدد تمسكنا بالمشروع السياسي الذي قدمته القوى الوطنية المعارضة المتمثلة في وثيقة المنامة ومرئيات التيار الوطني الديمقراطي، المستندة على مبادرة ولي العهد بنقاطها السبع المعروفة، إضافة إلى إعلان مبادئ اللاعنف ووثيقة رفض التحريض على الكراهية، ونرى في كل هذه المشاريع والمبادرات ارضية سياسية مناسبة وصالحة لحوار وطني وتفاوض حقيقي يمكن ان يقود الى واقع سياسي جديد يقوم على مبدأ الشعب مصدر السلطات جميعاً ويؤسس لمواطنة متساوية ويضع أسس الدولة المدنية الديمقراطية على أنقاض الدولة الأمنية القائمة من خلال وجود مجلس نيابي منتخب كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية ودوائر انتخابية عادلة، تعكس وجود نظام انتخابي عادل يحترم اصوات المواطنين في كل المناطق دون اي تمييز، وضمان وجود قضاء مستقل وعادل، ولن يكون ذلك ممكناً ومتاحاً دون توفر الارادة السياسية الحقيقية لدى النظام للوصول الى تسوية جذرية ودائمة للازمة السياسية المستعصية عبر الحوار الذي يجنب وطننا المخاطر وويلات الاصطفافات الطائفية التي تغذيها بعض القوى المتضررة من الاصلاحات السياسية والتي تعمل جاهدة على تقسيم مجتمعنا على أسس طائفية ومذهبية من اجل مصالحها الفئوية.
كما نجدد دعوتنا بضرورة خلق الأجواء الملائمة لإنجاح فرص الحوار، عبر القيام بالخطوات والإجراءات اللازمة لتبريد الساحة المحلية وبناء جسور الثقة بين مختلف الاطراف، وفي المقدمة منها وقف عمليات الاعتقالات والمداهمات للقرى والبيوت الامنة، وإطلاق سراح سجناء الرأي والنساء والأطفال، ووقف كل عمليات التحريض الاعلامي والالتزام بتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الانسان اضافة الى عودة جميع المفصولين الى اعمالهم، وإعادة الجنسية الى المواطنين الذين سحبت منهم بدون وجه حق، كما ندعو السلطات الى اعادة النظر في مشروعها الخطير والمدمر للوطن والذي يرمي الى تغيير التركيبة السكانية عن طريق التجنيس السياسي الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.
كما يحمل التجمع القومي المسئولية لكل الأطرف في استعادة الوحدة الوطنية لأبناء الوطن من خلال تنفيذ برنامج العدالة الانتقالية ووقف التحريض الإعلامي ومن على المنابر الدينية ووقف كافة أشكال الانتقام والتمييز الطائفيين وإطلاق مبادرات من رجال الدين ومؤسسات المجتمع المدني وأجهزة الدولة لإعادة اللحمة الوطنية ونشر قيم وثقافة التسامح والمحبة والتآخي بين أبناء الوطن الواحد.
ان التجمع القومي الديمقراطي الذي يشارك شعب البحرين بكل أطيافه ومكوناته الاحتفال بالذكرى الرابعة لانتفاضة 14 فبراير يتطلع الى ان تحمل الذكرى هذا العام تحولات ومتغيرات سياسية تصب في مجرى تحقيق اهداف وتطلعات شعبنا في حياة حرة كريمة وان يحصل تبديلاً جوهرياً في المشهد السياسي العام ويخرج بلدنا من أزمته عبر اعتماد الخيارات الديمقراطية التي تفتح ابواب بلدنا على طريق عودة الاستقرار والأمان والمصالحة الوطنية التي ينتظرها الجميع..
التجمع القومي الديمقراطي
13 فبراير 2014