بيان صادر عن التجمع القومي الديمقراطي ( 17 يوليو (تموز) 2013م )
في ذكرى ثورات تموز
مع الظروف التاريخية والمفصلية التي تعيشها الأمة العربية، تستحضر جماهير أمتنا العربية في الوطن العربي ذكرى ثورات يوليو (تموز) التي تفجرت في كل من مصر عام 1952 والعراق عام 1968، وهي الثورات التي قامت على مبادئ وطنية وقومية وشكلت عماد انطلاقتهما، وفي مقدمة هذه المبادئ القضاء على أشكال الهيمنة الاستعمارية ومرتكزاتها من قوى الاقطاع والتخلف، والسعي نحو بناء الحرية والعدالة الاجتماعية والسياسية والوحدة.
لقد كانت الأقطار العربية ومن بينها مصر والعراق تمر بفترات حرجة وعصيبة من تاريخها، وقد كانت هذه الدول تواجه الكثير من الأخطار والتحديات المصيرية، خاصة مخاطر الارتهان للإرادة الأجنبية، وانعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي، واستشراء الفساد وغياب الديمقراطية والعدالة، وهي الأسباب التي قادت الى ضعف العرب وتخلفهم وهزيمتهم أمام أعدائهم من الصهاينة والمستعمرين.
في مصر شكلت ثورة 23 يوليو الحدث القومي الأبرز عندما نهض الشعب المصري بكل أطيافه ومكوناته، ملتفاً حول قادة الثورة من الضباط الأحرار بقيادة الزعيم الراحل الخالد جمال عبدالناصر، رافضاً الظلم والاستبداد وغياب العدالة وحاملاً رسالة الى جماهير الأمة العربية من المحيط الى الخليج، بأن قوة العرب تكمن في وحدتهم وتحررهم من كل أشكال الهيمنة والوصاية الأجنبية، وبذلك استطاعت ثورة يوليو تحقيق الكثير من طموحات الشعب المصري، بدأً بإعادة الكرامة للفلاح وللعامل المصري، والقضاء على الإقطاع وتنمية الشعور القومي، ومد يد العون والمساعدة لكثير من الدول العربية ودول العالم الثالث للتحرر من الاستعمار وانتهاء بقرار تأميم قناة السويس، وعودة هذا الشريان الحيوي الى حضن مصر العروبة وبيد أبنائها الشرفاء.
أما في القطر العراقي الذي شهد تفجر ثورة 17 تموز المجيدة التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي، فقد جاءت هذه الثورة تجسيداً للأهداف الوطنية والقومية التي يمكن معها تجاوز حالة الضعف والهوان للعرب، وإخراج العراق من دائرة النفوذ الاستعماري وتحقيق استغلال الإرادة السياسية الوطنية، وكسر قيود التبعية السياسية والاقتصادية. لقد اعتمدت هذه الثورة برنامجاً وطنياً وقومياً وتحررياً، حمل معه مقومات النهوض للعراق وللأمة العربية، وإعادة بناء العراق القوي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وعلى الصعيد القومي برز العراق في ظل ثورة 17 تموز مدافعاً بارزاً ومبدئيا عن القضايا العربية، وفي المقدمة منها قضية فلسطين والخليج العربي وحمايته من الأخطار والأطماع، وكانت مواقفه القومية تعبيراً صادقاً عن قيام هذه الثورة بواجباتها القومية، خاصة وقوفها في وجه المصالح غير المشروعة للقوى الاستعمارية، ومواجهة الأحلاف الامبريالية والمشروع الصهيوني، ودعم حركات الاستقلال الوطني، والتزام سياسات الحياد الإيجابي، والتحالف مع القوى التقدمية في العالم، لذلك عملت القوى الاستعمارية على عرقلة تقدم ونهوض العراق بكل السبل المشروعة وغير المشروعة، عندما فشلت في اخضاع العراق واحتوائه سياسياً، ولم يبقى أمامها سوى اختيار العدوان والاحتلال.
ان هذه الحقائق هي التي تفسر ما تعرض له العراق من حروب وعدوان مستمر، انتهى في نهاية المطاف باحتلاله في مارس 2003 على يد قوات الاحتلال الأمريكي بالتعاون مع النظام الإيراني، وتواطؤ بعض الأنظمة العربية العميلة والفاسدة التي دعمت هذا الاحتلال الغاشم وقدمت كل التسهيلات اللوجستية والقتالية له.
تمر ذكرى الثورات العربية في هذه الأيام، متزامنة مع الموجات العارمة من الثورات والتحركات الشعبية التي تجتاح العديد من الأقطار العربية، وهو ما يؤكد وحدة وجوهر مطالب الجماهير العربية في الحصول على الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
ان الأوضاع التي تعيشها الأمة العربية حالياً تفرض على قوى الإصلاح والتغيير الوطني، ان تتجاوز خلافاتها، وأن تندفع الى التوحد على قاعدة برنامج وطني للتغيير يستحضر المسالة الديمقراطية بكل مقوماتها، والقضية الوطنية بكل مضامينها والقضية القومية بكل عنوانيها، وعلى رأسها قضية الوحدة وفلسطين والنضال لاستكمال تحرير العراق وفلسطين عاصمتها القدس الشريف.
ان صراع الأمة مع أعدائها في الوقت الراهن هو صراع شامل ومتعدد الأبعاد، وان معركة الأمة في أحد جوانبها المهمة هي حماية المصير القومي، التي تتطلب توحد كل القوى الوطنية الشعبية حول برنامج وطني، تتكامل وتتفاعل فيه قضايا الديمقراطية وقضايا التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أي لابد من اعتماد نهج وحدوي وطني على كل المستويات، ورفع الصوت عالياً في وجه الانقسامات الطائفية والتجاذبات المذهبية، وتفادي السقوط في متاهات التفرد والإقصاء والاستبداد، لأنه الطريق الوحيد الذي يمكن أن يحفظ كيانات الأمة من الأخطار المحدقة بها، والأطماع التي تهدد وجودها، وتفشل المخططات التي ترمي الى تمزيقها.
ان الفرصة متاحة اليوم على وقع الثورة المتجددة في مصر، وبعد استعادة ثورة 25 يناير من يد قوى الاستفراد والاستبداد وتصحيح مسار الإصلاح والحرية، ومع تصاعد الانتفاضات والتحركات الشعبية السلمية المطالبة بالإصلاح والتغيير الديمقراطي ـ ان الفرصة متاحة ـ لمبادرات سياسية جديدة تعيد الوحدة واللحمة الوطنية بين مكونات وأطياف الجماهير العربية وتياراتها السياسية والاجتماعية، على قاعدة تحقيق المطالب المشروعة والعادلة لجماهير الشعب العربي، وعلى قاعدة التمسك بالوحدة الوطنية والاحتكام الى الحوار والديمقراطية والمصالحة الوطنية، ورفض كل أشكال التدخلات الخارجية، وتهيئة السبل أمام نهوض الأقطار العربية سياسياً وديمقراطياً، وتعزيز ترابطها وتلاحمها مع محيطها القومي، والتفاعل مع قضاياها القومية الكبرى، للتصدي لكل الأخطار التي تهدد المصير العربي سواء من قبل قوى العدوان والاستعمار او من قبل قوى التخلف والفتنة والظلام.
التجمع القومي الديمقراطي
17 يوليو (تموز) 2013م
مملكة البحرين