بعد اختتام جولات الحوار الوطني، عقدت الأمانة العامة للتجمع القومي الديمقراطي اجتماعا لها مساء يوم أمس لاستعراض هذه النتائج، كما تلاها اجتماع مع أعضاء التجمع، وخلص الاجتماعين إلى تأكيد مواقف التجمع السابقة التي أعلنها قبل وأثناء الحوار في أن استجابته للمشاركة في الحوار الوطني أتت كاستجابة لدعوة جلالة الملك حفظه الله، وإيمانا منه بحق كافة مكونات المجتمع في المشاركة في رسم معالم مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ولا يمكن للتجمع القومي أن ينفي الإيجابيات الكثيرة للحوار الوطني، من حيث مساهماته في الحوار العام المفتوح حول كافة القضايا التي تهم الإصلاح السياسي والاقتصادي والحقوقي والاجتماعي في المملكة، وحق الجميع في رسم معالم هذا الإصلاح، كذلك كونه مثل منبر للقاء مختلف أطياف المجتمع على طاولة واحدة تجمعهم مصلحة الوطن، وهو الأمر الذي ساهم في تبادل الآراء وتوضيح المواقف وإعادة بناء جسور الثقة وصولا لإعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد.
وقد شارك التجمع القومي في كافة محاور الحوار بنية صادقة وجدية لإنجاحه, وقدم مرئياته مكتوبة ومتكاملة حول المطالب الرئيسية التي ندعو لتحقيقها، وفي المقدمة منها مجلس منتخب كامل الصلاحيات وحكومة تمثل الإرادة الشعبية ودوائر انتخابية عادلة.
وعلى صعيد آليات الحوار، فقد أكدت مجرياته على الخلل الموجود فيها، حيث أنها لم تسمح بإجراء حوار جدي بين المكونات الرئيسية للمجتمع، وبالذات في المحور السياسي الذي تمثل محاوره الفرعية جوهر مطالب الجمعيات السياسية منذ انطلاقة المشروع الإصلاحي عام 2002. كما أن تركيبة الأعضاء المشاركين في الحوار الوطني، مع كامل الاحترام لأشخاصهم والجمعيات أو الجهات التي يمثلونها، لم يكونوا يمثلون كافة فئات الشعب بشكل متوازي وعادل وبالتالي فأن الجمعية ترفض من حيث المبدأ الموافقة على أن النتائج التي تم التوافق عليها أو تلك التي لم يتم التوافق عليها في الحوار الوطني تمثل رغبة الشعب بأسره، وبالتالي البناء عليها وحدها في تقرير مصير تطور المشروع لإصلاحي أو اتخاذها كذريعة لإلغاء مطالب سياسية جوهرية. ومع التسليم بأن منظمي الحوار كرروا القول بأن جميع التوصيات التي تم التوافق عليها أو التي لم يتم التوافق عليها سوف ترفع لجلالة الملك، فأن هذا لا يعطي أية ضمانات حقيقية وجوهرية بأن التوصيات التي لم يتم التوافق عليها سوف تؤخذ بالاعتبار.
أما على صعيد النتائج، فلا شك أن الحوار الوطني حقق الكثير من المكاسب للمواطنين، ولمشروع الإصلاح على الأصعدة الاجتماعية والحقوقية والاقتصادية، خاصة فيما يخص الموافقة على قيام لجنة الإنصاف والعدالة، وصيانة الحريات الفردية ودعم حقوق المرأة ورفع المستوى المعيشي للمواطنين وزيادة تنافسية الاقتصاد الوطني.
أما على صعيد المحور السياسي، والذي كان محور اهتمام جمعيات المعارضة، فقد تم طرح نوح 56 مرئية سياسية لم يتم التوافق سوى على نحو ثلثها فقط، وهو يعكس حجم الاختلاف حول مطالب المشروع الإصلاحي، كما أن جوهر المرئيات التي تم التوافق عليها لم يلامس سوى نحو 10% من المطالب الجوهرية للتجمع القومي وبقية الجمعيات المعارضة، حيث لم يتم التوافق على تأسيس الأحزاب السياسية وقيام المجلس المنتخب بمنح الثقة للحكومة وبرنامجها، وأن تكون لهذا المجلس الكلمة العليا والحاسمة في التشريع، والانتخاب غير المباشر لقسم من مجلس الشورى من مؤسسات المجتمع المدني ووضع كوتا نسائية في البرلمان والنظام الانتخابي العادل وإعادة توزيع الدوائر الانتخابية. كما لم يتعرض الحوار الوطني لقضايا سياسية هامة مثل التمييز والتجنيس والمساواة في الحقوق والواجبات وبناء الدولة المدنية الحديثة على أسس المواطنة الدستورية.
ووفقا لذلك، فأن التجمع القومي يرى أن مخرجات الحوار الوطني السياسية لم ترتقي لمستوى المطالب والطموحات المشروعة لجماهير عريضة وواسعة من أبناء الوطن، ولا يمكن الموافقة عليها كأساس لما هو مطلوب تنفيذه من إصلاحات سياسية حقيقية وواسعة حلال المرحلة المقبلة.
كما تشيد الأمانة العامة بمستوى التنسيق الذي وصل إليه العمل المشترك بين قوى التيار الوطني الديمقراطي، خلال انعقاد جلسات المؤتمر، والذي ارتقى إلى مستوى التوحد في المواقف والرؤى بالنسبة إلى كافة القضايا والملفات السياسية والدستورية المطروحة على المؤتمر، كذلك على مستوى الفعاليات المشتركة التي خاطبت هذه القوى من خلالها جماهيرها ووسائل الإعلام المختلفة، وتتطلع الأمانة العامة إلى أن تشكل جميع هذه التحركات بداية تعزيز دور التيار الوطني الديمقراطي وتأكيد حضور السياسي والوطني.
كما أكدت الأمانة العامة للتجمع حرصها على التواصل والتنسيق مع كافة القوى السياسية المعارضة في كل الملفات ذات الشأن الوطني، وكذلك حرصها على الانفتاح على جميع المكونات السياسية في البلاد، استجابة لمواقفها ومبادئها الوطنية الثابتة والتي تدعوا إلى الانفتاح على كل المكونات السياسية والمجتمعية من أجل ترسيخ قيم الوحدة الوطنية والمحافظة على السلم الأهلي.
أن التجمع القومي يرى أن أصل الأزمة وجذورها تعود إلى عوامل سياسية ودستورية، وأن أية معالجات يجب أن تنطلق في هذه الحقيقة،وأن تغليب العناصر الأمنية والإجراءات العقابية الجماعية للمواطنين، لن تساعدنا على مغادرة المرحلة الراهنة وحمولتها السلبية وأن الإقرار بهذه المسألة سوف تجنب البلد الكثير من الآلام والمشاكل التي تعصف بحياة المواطن وتسلبه الأمن الاجتماعي والنفسي، كما أن هذا الطريق هو وحده القادر على فتح الطريق أمامنا جميعاً للانطلاق نحو بناء بحرين أفضل وأقوى، أساسها التعايش والتسامح الوطني، والحياة الطبيعية الآمنة والمستقرة لكل المواطنين وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لذلك يؤكد التجمع القومي مجددا على الحاجة لمواصلة توفير أجواء سياسية واجتماعية أفضل في البلاد تعيد اللحمة للوحدة الوطنية، وتقضي على مصادر التوتر والانفلات الأمني من خلال إطلاق سراح المعتقلين، وإعادة كافة المفصولين لأعمالهم حسب توجيهات جلالة الملك، ووقف الانتهاكات الأمنية لحقوق الإنسان والتصعيد الإعلامي الطائفي المقيت.
أن حاجة بلادنا للإصلاح السياسي الواسع والجدي وفقا للمرئيات التي طرحها التجمع القومي في الحوار، هي ضمانة ضرورية لتجاوز الوضع المأزوم في المملكة، والحيلولة دون الانفلات الأمني مجددا الذي ثبت عجزه عن تقديم أية حلول مستدامة لأزمات البلاد وحاجات تطورها. وعلى ذلك، يجدد التجمع القومي مناشدته لجلالة الملك حفظه الله بإعادة اللحمة للوحدة الوطنية والعبور بالوطن نحو بر الأمان من خلال النظر في كافة المطالب السياسية المشروعة والعادلة وفتح الأبواب أمام تنفيذها في المرحلة المقبلة.
جمعية التجمع القومي الديمقراطي
المنامة 26 يوليو 2011