بانتهاء الأسبوع الثالث من عملية حوار التوافق الوطني، الذي انطلقت أعماله مطلع شهر يوليو 2011، تكون الجولة الأولى قد انتهت بعد استكمال المناقشات الأولية وتقديم المرئيات والمداخلات لكافة المحاور الأربعة التي اعتمدتها اللجنة المنظمة أساساً للحوار وهي المحور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي.
انطلاقاً من فهمنا لمعنى الحوار الوطني، كونه يمثل مفتاحاً للتوافق حول مستوى ومحتوى التغييرات الإصلاحية بين القوى المشاركة بما فيها الحكومة، للوصول إلى تسويات وحلول تستجيب لتطلعات شعبنا في الإصلاح الديمقراطي القائم على التعددية والمواطنة والعدالة وسيادة القانون، كما تسهم في تعزيز اللحمة الوطنية وأعادة بتاء جسور الثقة لوحدتنا الوطنية التي هي مرتكز الإصلاح والتطور الديمقراطي والاجتماعي.
انطلاقاً من هذه القيم وإيماننا العميق بالحوار طريقاً وحيداً للخروج من الأزمة الراهنة التي يعاني منها وطننا، فقد شارك التجمع القومي في جلسات الحوار بروح من الجدية والمسؤولية، بالرغم من تحفظنا على بعض الآليات، التي لا تزال في بعض جوانبها غير واضحة، خاصة بالنسبة إلى طريقة حسم الموضوعات المتوافق عليها، والأخرى التي ستبقى دون توافق؟؟ نقول رغم ذلك فأن التجمع قد قدم مرئياته ومداخلاته في كافة القضايا والملفات المطروحة في الحوار وكما يلي:
أولاً: المحور السياسي:
في هذا المحور حرص التجمع على صياغة المرئيات والمداخلات بشكل واضح متضمنة مواقف التجمع القومي في ملف الجمعيات السياسية، حيث طالب التجمع بأهمية وجود قانون جديد يتعلق بوضع الجمعيات السياسية يقر بمبدأ التعددية وممارسة العمل الحزبي العلني من خلال الأحزاب السياسية، وقدم مقترحاً متكاملاً للتعديلات التي يراها ضرورية. كما شدد على ضرورة أبعاد العمل السياسي عن كافة أشكال التخندق الطائفي وتسييس الدين.
وحول الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس النواب والشورى، أكد التجمع القومي موقفه الداعي إلى وجود مجلساً تشريعياً منتخباً انتخاباً عادلاً يتمتع بكامل الصلاحيات من حيث التشريع والرقابة وحصر دور مجلس الشورى في الموضوعات التي تتطلب المشورة كما حددها ميثاق العمل الوطني. كما دعى لاعتماد معايير جديدة في اختيار أعضاء مجلس الشورى من بينها أن يكونوا منتخبين بشكل غير مباشر كونهم اعضاء في هيئات قيادية منتخبة في جمعيات ونقابات ومؤسسات المجتمع المدني.
وبالنسبة إلى موضوع الحكومة والضوابط التي يمكن أن تتحقق فيها تمثيل إرادة الشعب، والخيارات المتاحة، بالإضافة إلى علاقة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فقد أكد التجمع القومي تمسكه بميثاق العمل الوطني الذي منح جلالة الملك حق تعيين الحكومة، على أن تحظى هذه الحكومة بكامل أعضاءها بثقة مجلس النواب المنتخب وأن يصادق هذا المجلس على برنامج عملها الذي تتقدم به، كما يجب أن تخضع الحكومة للمسألة والاستجواب وطرح الثقة أيضاً وأن يكون رئيس الوزراء من الشخصيات العامة.
وفي تقدير التجمع أن تلبية هذه الشروط يمكن أن تحقق بعض إرادة الشعب في وجود حكومة تمثله، مع إبقاء الأبواب مفتوحة للتطور والتوافق حول خارطة سياسية تقودنا نحو مستقبل تتقارب فيه الرؤى والتوافقات حول مفهوم الحكومة المنتخبة.
في ذات السياق أكد التجمع القومي على أهمية أن يتمتع أعضاء الحكومة بالكفاءة والنزاهة، والالتزام بمعايير الثقة والعدالة، وأن تعمل على ما يؤدي إلى تحسين الأوضاع المعاشية والاقتصادية والخدماتية لكافة المواطنين، والقضاء على كل الظواهر الاجتماعية التي تمثل تحدياً خطيراً أمام تقدم ونهوض بلدنا، مثل ظاهرة الفساد المالي والإداري المتفشية وعلى أعلى المستويات في كافة أجهزة الدولة، والتصدي لظاهرة التمييز والمحسوبية والرشوة.
في ملف النظام الانتخابي والدوائر الانتخابية، وكذلك ملف التجنيس، فقد قدم التجمع تصوراته في هذه الموضوعات الهامة، والتي تتلخص في ضرورة وجود نظاماً انتخابياً في البحرين أكثر انسجاماً وملائمة مع الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد، وأن يكون هذا النظام مساعداً على وجود برلماناً منتخباً يصل إليه الأكثر كفاءة والأكثر تمثيلاً للناس، وأن يكون هذا التمثيل وفق مبدأ صوت لكل مواطن.
أما بخصوص الدوائر الانتخابية، فقد أكد التجمع موقفه الثابت في هذه القضية الحيوية، والتي يمكن من خلالها قياس مدى عدالة النظام الانتخابي، لذلك فقد طالب بإعادة النظر في رسم وتوزيع الدوائر الانتخابية في البحرين، لتفادي أي خلل أو تلاعب يمكن أن يقوض كل قواعد العملية الانتخابية، ويفرغ الديمقراطية من محتواها.
انسجاماً مع هذا التوجه، فقد أقترح التجمع القومي وجود قانون يحقق بعض الأهداف المهمة مثل الحد من التفاوت في عدد الناخبين، ومنح الفرصة للقوى غير الكبيرة للوصول إلى البرلمان، وكذلك تقليل فرص التلاعب في مخرجات الانتخابات والتغلب على التقسيم المذهبي للدوائر، وإقامتها على أساس وطني، بالإضافة على زيادة فرص وصول العنصر النسائي للبرلمان.
من أجل الوصول إلى مثل هذه الأهداف فقد اقترح التجمع أن يشمل قانون الدوائر الانتخابية ما يلي:
• تقليص الدوائر الانتخابية إلى خمس دوائر بدلاً من أربعين دائرة.
• يمثل كل دائرة انتخابية ثمانية نواب، ولا يحق لكل ناخب اختيار أكثر من ثلاث مرشحين.
• تحدد الدوائر الانتخابية وحدودها بموجب قانون على أن لا يتجاوز الفرق في عدد الناخبين من دائرة وأخرى نسبة 15 %.
وفي ملف التجنيس والنظام الانتخابي، أكد التجمع القومي أن سياسة التجنيس التي طبقتها الدولة خلال السنوات الأخيرة هي سياسة خاطئة ومقلقة، لأنها تحمل في طياتها مخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.
وفي الوقت الذي يؤكد التجمع حق حصول الأخوة والأشقاء العرب وبعض المقيمين ممن مضوا عقوداً طويلة في البحرين على هذه الجنسية إلا أنه يعارض سياسة التجنيس القائمة على أغراض سياسية، في هذا الاتجاه يدعوا إلى تعديل قانون الجنسية بما يضمن حق المواطنة والجنسية لكل من ولد وعاش على أرض البحرين ويضمن أيضاً عدم استخدام التجنيس لتغيير التركيبة السكانية، في هذا الصدد يدعوا التجمع إلى تشكيل لجنة وطنية لمعرفة حقيقة أبعاد هذه القضية، من أجل مصلحة الوطن، وتجنب أية آثار سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تضر بأوضاع البلد.
ثانياً: المحور الحقوقي:
في هذا المحور دعا التجمع القومي إلى تعديل القوانين النافذة بما يحررها من القيود المفروضة على الحريات العامة ويطورها تتلاءم مع المرحلة الجديدة التي تتطلع إليها.
وأكد التجمع القومي على أن تكون كافة التشريعات والقوانين متوافقة مع أحكام الدستور والميثاق، ومنسجمة مع المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبما يرفع من شأن كرامة المواطن البحريني ويصون حقوقه وحرياته وكما يلي:
• مراجعة نصوص التشريعات الخاصة بالأندية والمؤسسات الأهلية بما يضمن بناء مؤسسات مجتمع مدني مستقل.
• محاربة الفساد المالي والإداري، وضرورة وضع تشريعات وأنظمة تضمن حرمة المال العام وتصونه من التلاعب، وتكفل محاسبة ومقاضاة كل من يثبت ضلوعه في الفساد.
• محاربة كافة أشكال التمييز على أساس الجنس أو العرق أو المذهب أو الطائفية، وطالب بوجود تشريع يحرم التمييز بكافة صورة.
• إعادة تنظيم وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية عبر بحرنتها وتخليصها من العناصر الأجنبية وبناءها على أسس وطنية.
• انتهاج سياسة خارجية تراعي المصالح الوطنية والقومية للبحرين.
• استقلال القضاء الذي يعتبر دعامة أساسية من دعامات الديمقراطية وسيادة القانون.
• إلغاء المرسوم الخاص بقانون 56 لسنة 2002م بشأن تغير بعض أحكام المرسوم رقم (10) لسنة 2001م بالعفو الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني.
• تفعيل هدف فصل الأدعام العام عن وزارة الداخلية وإنشاء بناية عامة تتيح السلطة القضائية.
• تعديل المرسوم بقانون مباشرة الحقوق السياسية رقم (14) لسنة 2002م.
• إصدار قانون الأحوال الشخصية في شقه الجعفري لتنظيم العائلة.
ثالثاً: المحور الاقتصادي:
تقدم التجمع بمجموعة من المرئيات لتحسين الوضع الاقتصادي والتنافسي في البحرين تركزت على إدخال التعديلات على الرؤية الاقتصادية 2030وكذلك إتباع نهج التنمية المستدامة وتنظيم دور الدولة والقطاع العام في الحياة الاقتصادية وضرورة محاربة الفساد ونهب الثروات. وفيما يتعلق بمستوى الخدمات الحكومية طالب التجمع بإلغاء رسوم بعض الخدمات، وشملت المرئيات أيضاً المطالبة بإعادة هيكلة صناديق التقاعد وفق متطلبات الإدارة الحديثة المتخصصة لتجنب الخسائر الكبيرة في استثمارات التأمينات التقاعدية. كما طالب التجمع بتبني إستراتيجية جديدة ووضع سياسات لإدارة الاستثمارات. ولكون أحد أسباب الأزمة السياسية التي تعرضت لها المملكة هو غياب العدالة الاجتماعية، فقد دعى التجمع الى تحقيق العدالة وفق القيم والمبادئ السامية مما يشكل أحد مفاصل الحل لتلك الأزمة. وفيما يخص الدعم الحكومي فأن التجمع طالب بعدم رفع هذا الدعم كونه يؤثر على ذوي الدخل المحدود والفقراء على أن يعاد هيكلته لكي يذهب للفئات المستحقة. وبغرض معالجة العجز في الموازنة الذي يبلغ 20 % فأن التجمع طرح مقترحات عدة لتقليص الإنفاق العام مثل ترشيد موازنة التسلح العسكري والأمني وإعادة هيكلة الجهاز الإداري الحكومي لغرض تخفيض النفقات.
رابعاً: المحور الاجتماعي:
طالب التجمع القومي بإصلاح شامل لبرامج التعليم في إطار رؤية وطنية وقومية وتنمية قيم الديمقراطية وروح التسامح والمساواة والوحدة الوطنية في مناهج التعليم وكذلك ترسيخ مبادئ الحرية واحترام حقوق الإنسان. وعلى المستوى الصحي طالب التجمع بضرورة الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية بكافة أنواعها.
كذلك دعا إلى وجود إستراتيجية إسكانية تحقق العدالة وتستجيب لحاجات المواطنين مشيراً إلى مشكلة الإسكان التي يعاني منها الشباب وتقديم الخدمات إليهم وخاصة من ينتظر منهم أكثر من 10 سنوات.
كما أهتم التجمع بموضوع الأسرة والطفولة وقضايا الطلبة والشباب ودعا إلى محاربة كل الأمراض الاجتماعية التي تستهدف الشباب. وأهتم التجمع أيضاً بقضايا ألأداب والفنون والثقافة.
وفي ملف الإعلام طالب بضرورة إجراء إصلاحات شاملة في مجال الإعلام والصحافة والتلفزيون وبما يضمن وجود أعلام حر ونزيه يرسخ الوحدة الوطنية ويتجنب أساليب الشحن والتحريض طالب أن يكون الإعلام منفتحاً على قضايا الوطن والأمة معبراً عن تطلعات المواطن.
وأكد التجمع القومي أن المشكلة الاجتماعية لا تقتصر على عدم وجود وظائف وإسكان، بل أنه يؤمن أن أساس المشاكل الاجتماعية هي ملفات سياسية. كما أكد غياب إستراتيجية واضجة لتنمية دور مؤسسات المجتمع المدني وضعف البنية التحتية للجمعيات السياسية إذ لا يوجد دعم مالي ولوجستي لها.
كما أن الجمعيات الأهلية يحكمها قانون صدر العام 1989 ونحن محتاجون إلى قوانين متطورة تتلاءم مع طموحات الشباب وسيادة القانون وحرية التعبير، وأكد التجمع القومي الحاجة إلى إقناع القطاع الخاص لدعم المؤسسات الأهلية والاجتماعية على أن يكون الدعم غير مشروط. كما أكد ضرورة احترام الآخر حتى نستطيع الخروج بمجتمع المواطنة وليس مجتمع الإقصاء، كما لا نريد أن تسيطر الدولة على عمل الجمعيات. كما يرى أن الحكومة مسئولة أيضا عن تفاقم مشلكة الطائفية من خلال التمييز وعدم الحياد؛ لذلك يجب التخلي عن الخطاب والممارسات الطائفية، ويجب أن يحمي القانون المواطن، كما ينبغي تفعيل مبدأ سيادة القانون على جميع المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم ودياناتهم وانتمائهم المذهبي والعرقي. كما أكد تمسكه بالدولة المدنية وتطوير المجتمع المدني لكن بشرط ألا يكون بديلاً عن الديمقراطية.
التجمع القومي الديمقراطي
المنامة 15 يوليو 2011