منذ اشتعال الانتفاضة الشعبية في القطر التونسي الشقيق قبل ما يزيد على الشهر، بدأ واضحاً أن التطورات الجارية في هذا البلد وما تميزت به من زخم وقوة – أنها ستكون بداية النهاية لنظام زين العابدين بن علي ، وأن تونس على موعد مع فجر جديد، وعلى أعتاب مرحلة جديدة يسترجع معها الشعب التونسي حقوقه المهدورة وحريته المسلوبة التي صادرها النظام التونسي عبر مختلف الوسائل البوليسية واللجوء إلى كل المحرمات القمعية، بدأً من تدمير كل مقومات المجتمع المدني مروراً بخنق الأحزاب والقوى السياسية وتشريدها بين المنافي والسجون.
لقد عاش الشعب التونسي ما يقارب الثلاثة عقود وهو يدفع أثمان باهظة من حريته وكرامته وحياته جراء أساليب القمع والاستبداد، وبات هذا الشعب فريسة للجوع والفقر والظلم الاجتماعي والسياسي في الوقت الذي كان فيه أزلام النظام والمقربين منه يعيشون حياة الأباطرة، ويبنون الإمبراطوريات المالية والإعلامية، وتحولت تونس على أيديهم إلى بؤرة للفساد، حتى صارت حسب تقارير منظمة الشفافية العالمية المعنية بمحاربة الفساد، في المرتبة 65 ضمن ترتيب شمل 180 دولة، فالفساد أصبح ظاهرة مستشرية بشكل مخيف في كل المؤسسات التونسية وطالت كل المؤسسات حتى بلغت رأس هرم السلطة؟؟؟
وقد بات جلياً لكل المراقبين والمتابعين للتطورات الحاصلة في تونس منذ اللحظات الأولى التي انطلقت فيها شرارة الانتفاضة الشعبية أن تونس ما بعد الانتفاضة، لن تكون كتونس بعدها، وأن كل المناورات التي سيعتمدها النظام لمواجهة أو محاولة إفشال هذه الانتفاضة سيكون مصيرها الفشل، وقد تأكدت هذه الحقيقة من خلال ردود أفعال النظام ومؤسساته القمعية حيال هذه الانتفاضة وجماهيرها الشعبية، والتي أتسمت بالعصيبة والتخبط في القرارات، والاستخدام التعسفي للقوة الأمنية والبوليسية في قمع الجماهير التي هبت بشكل عفوي لصنع التغيير، وإصرارها على إسقاط النظام مهما علت التضحيات.
إننا في الوقت الذي نحيي فيه الشعب التونسي الشقيق، ونكبر فيه هذه التضحيات العظيمة، من أجل الحرية والكرامة نعلن وقوفنا وتضامننا التامين مع كل مطالب الشعب التونسي حتى بلوغ أهدافه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وندعم إصراره على إفشال كل المحاولات التي تستهدف الالتفاف على حقوقه وأهدافه المشروعة، من خلال أحداث بعض التغييرات الشكلية أو الصورية في هياكل ورموز سلطة النظام المنهار، وأنه لابد من استكمال مسيرة الحرية والكرامة والتخلص من كل مخلفات ورموز العهد السابق وإعادة بناء تونس على أسس ديمقراطية جديدة تقوم على المشاركة السياسية الشاملة لكل أبناء الشعب التونسي ومكوناته السياسية والاجتماعية ومنظماته النقابية والديمقراطية، واحترام التعددية والمنافسة الحرة الشريفة.
أن الأحداث في هذا القطر تقدم لنا الكثير من الدروس والعبر التي يجب إخضاعها للتأمل والتفكير، خاصة من قبل الأنظمة والحكومات العربية منها:
1) إن الظلم والاستبداد مهما تطاولا، ومهما اشتدت قبضتهما، فأنهما إلى زوال، وان إرادة الشعوب الحرة لابد أن تنتصر في نهاية المطاف.
2) أن الأنظمة والحكومات العربية مطالبة بالانتباه إلى ما يعتمل في صدور وعقول شعوبها من شحنات غضب وتدمر وأن تنظر إلى الأسباب الحقيقية لكل الأزمات المتفجرة في مجتمعاتها، والكامنة في ثنايا المشهد العام، وهي أسباب تعود إلى الفقر والبطالة واستشراء الفساد، وغياب الرقابة الشعبية، وغياب الحكم الرشيد، وهي جميعاً تمثل في الواقع بمثابة ألغام قابلة للانفجار في أية لحظة.
3) أن المقاربة الأمنية وحدها تبقى عاجزة عن معالجة أو مواجهة مثل هذه الأزمات والمطالبات الشعبية، ولابد من دراستها في كل أبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لذا من الضرورة أن تعمل السلطات المسئولة في الأقطار العربية وفق ميزان العدالة والمساواة والقانون واحترام حقوق الإنسان، والانفتاح على كل المواطنين دون تمييز في الحقوق وفي الحريات والواجبات.
4) أن هذه الأحداث الجارية في تونس، وما يحدث في بعض الدول العربية التي تعيش أوضاعاً متشابهة، تؤكد دون أدنى شك أن النظام العربي الرسمي "والدولة القطرية" التي تمثله على امتداد الوطن العربي، قد وصلت إلى مأزقها المحتوم بعد سلسلة الانتكاسات والفشل على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وانزلاق هذه الأنظمة نحو هاوية الفساد والاستبداد وسرقة المال العام، مما دفع المواطن إلى حالة من اليأس والإحباط والتذمر، وسعيه للتعبير عن هذه الحالة عبر أشكال من الغضب والتململ الاجتماعي اللذين تخطيا كل الحواجز، بعد أن سددت أمامه كل الآفاق والآمال في التغيير والإصلاح؟؟؟
5) لم يعد أمام هذه الدول والحكومات في ظل تفاقم أوضاعها السياسية والاجتماعية، سوى إعادة التفكير والعمل على أسس من العدالة الاجتماعية القائمة على الإنصاف والمساواة وضمان حق العمل والعيش الكريم للمواطن، وإشراك القوى السياسية والمجتمعية في اتخاذ القار، من خلال مشاركة سياسية شاملة وحقيقية، وكذلك القضاء على كل مظاهر الفساد والتعدي على المال العام وإخضاع كل الفاسدين والمتجاوزين للمحاسبة العادلة.
كما لابد لها من اعتماد الحوار وسيلةً بين الأنظمة والقوى المدنية والسياسية والحقوقية لتفريغ المشكلات في أوقات الأزمات، ولابد من إزالة كل القيود المفروضة على حرية العمل السياسي والنقابي، وإطلاق حرية الرأي والتعبير دون قيود.
تحية إلى دماء الشعب التونسي التي سالت من أجل الحرية والكرامة
المجد لشباب تونس صانع الانتصار، ولكل القوى السياسية والمدنية والحقوقية التي قاومت وانتصرت على الظلم والظلام.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
15 يناير 2011م التجمع القومي الديمقراطي
مملكة البحرين