بعد تسع سنوات على الاحتلال الأمريكي للعراق، تعلن الولايات المتحدة الأمريكية نهاية عدوانها رسمياً، ووضع حد "للتركة الثقيلة" كما قال باراك أوباما، تسع سنوات تفصل بين أكاذيب "بوش الصغير" وتلفيقات أوباما الذي تحدث عن عودة جنوده "مرفوعين الرؤوس" بعد انجازهم المهمة وفق ادعاءاته، وهو الذي قد أعلن قبل ثلاثة أعوام، وبالتحديد في 31 أغسطس 2008 عن انتهاء العمليات القتالية في العراق، وقال: "إنه ليس هناك مجالاً للحديث أو الاحتفال بالنصر" الذي زعمه "بوش" في مايو 2003.
إن قرار غزو العراق واحتلاله كان جريمة دولية وقانونية وأخلاقية، بل أن هذا العدوان يعد أكبر جريمة في تاريخ الإنسانية، شاركت فيها الإدارة الأمريكية وبعض الدول الغربية بالتحالف مع الصهيونية، وبعض الأنظمة العربية التي سمحت للاحتلال بالانطلاق من أراضيها وأجواءها ومياهها الإقليمية إضافة إلى بعض القوى الإقليمية خاصة النظام الإيراني الذي صار اليوم لاعب رئيسي في الساحة العراقية.
ولأن أهداف ونوايا أمريكا من الغزو كانت واضحة ومعروفة، فهي لم تعبر البحار والمحيطات وتقوم بجريمة الغزو والاحتلال، وتقدم هذا الحجم من الخسائر "البشرية" و "المادية" من أجل أن تأتي اليوم لتترك العراق بموارده الغنية وموقعه الاستراتيجي وثقله السياسي والاقتصادي.
لكل هذه الأسباب فإننا على يقين بان الاحتلال سوف يستمر بالعديد من الصور والأشكال، أحدها كما هو معلن استمرار بقاء عدة آلاف من القوات الأمريكية لتدريب القوات العراقية، إضافة إلى تواجد الآلاف من قوات المرتزقة العاملين في شركات المقاولات الأمنية الخاصة، والقوات الامنية في السفارة الأمريكية، هذا إلى جانب هيمنة الشركات الأمريكية والغربية على الثروات البترولية العراقية بصورة مطلقة!!، وقبل هذا وذاك الهيمنة على القرار السيادي للعراق عبر اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها الولايات المتحدة مع نظام المالكي.
مع كل هذه الحقائق فأنه لا جدال بأن القرار الأمريكي المعلن اليوم عن هروب قواتها النظامية من العراق يمثل هزيمة مدوية للاحتلال على مختلف الأصعدة العسكرية والاقتصادية والأخلاقية، والفضل الأول في ذلك يعود للمقاومة العراقية الباسلة وأصرار الشعب العراقي على رفضه وأنهائه والدماء الطاهرة الغزيرة التي سالت فداء للكرامة والتحرير.
أن هذا الاحتلال سوف يغادر العراق تاركاً وراءه عراقاً بلا سيادة، بعد أن سلمه لعصابات من العملاء والمأجورين واللصوص وسفاكي الدماء والكثير منهم عملاء للنظام الإيراني الذي بات له دور أساسي في العراق، كما سيترك ما يزيد على المليون شهيد، وملايين من الجرحى والمعوقين والمفقودين، إضافة إلى الملايين من الأرامل والأيتام، وما يزيد على أربع ملايين مهجر و مهاجر في الداخل والخارج، نتيجة لأعمال القتل والعنف الطائفي التي تقوم بها القوى الإرهابية والتكفيرية، والمليشيات الإجرامية للقوى والأحزاب العميلة الحاكمة، وفوق هذا وذاك سيغادر الاحتلال العراق وأكثر من ربع سكانه يعيشون على خط الفقر، بعد أن جرى تدمير كل البنى والمؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية، وصار المواطن العراقي يفتقر إلى ابسط الخدمات اليومية من ماء وكهرباء ودواء وعمل، بل وغابت عن هذا القطر العربي كل مظاهر الحياة الأمنية والمستقرة، وحتى يومنا هذا ما زالت عمليات النهب والسلب وسرقة المال العام تتم بيد القوى والأحزاب العميلة الحاكمة دون حسيب أو رقيب، وهو ما جعل العراق في قعر مؤشر الفساد العالمي في صف واحد مع أفغانستان البلد الآخر المحتل من جانب القوات الأمريكية والدول الغربية.
باختصار أن المحتل الأمريكي يترك العراق وهو يقدم أسوا نموذج للحكم الطائفي والعنصري في المنطقة، ينافس الأنظمة الحليفة للأمريكان فيها تلك الأنظمة القائمة على الطغيان والاستبداد والفساد، الأمر الذي يكذب كل مزاعم الولايات المتحدة وحلفاءها حول أهدافهم المعلنة في نشر الديمقراطية والتطور السياسي والاقتصادي والدفاع عن قيم حقوق الإنسان.
لقد تحول العراق إلى حالة من الاستنزاف البشري والاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أوصلها في نهاية المطاف إلى الاستعجال في قرار الهروب العسكري المباشر، وأن معرفتنا بحجم خسائر أمريكا نستطيع معرفة حجم انتصار المقاومة العراقية ضمير العراق وجهه الوطني والقومي، وحجم ما ينتظرها من مهام وتحديات انطلاقاً من كون المقاومة العراقية هي مشروعاً تحريرياً وسياسياً متكاملاً، معني بإعادة العراق إلى وضعه الطبيعي بعد أن جرى تدمير كل أسس الحياة فيه.
لذلك نرى أن الأشقاء العراقيون ما زالوا على موعد مع النصر والتحرير الناجز الذي سيكون بالخلاص التام من كل مخلفات وتركات المحتل. ولن يكون هذا اليوم ببعيد، بعد أن بدأت العصابات الحاكمة بالصراع على تقاسم النفوذ والهيمنة والتسلط، ودشنت ذلك الصراع بحملة اعتقالات واسعة في صفوف المقاومين والوطنيين، أعقبتها السعي للتصفيات السياسية لبعض القيادات المشاركة في الحكم، مع تزامن ذلك مع تدبير سلسلة من الانفجارات الدموية والمدانة بحق المواطنين الآمنين بغية تلفيق مسئوليتها على المقاومين من جهة، وتهيئة الأجواء للمالكي العميل الأمريكي الإيراني المزدوج لتصفية خصومه السياسيين.
إننا على يقين بأن مشروع المقاومة العراقية هو الذي سيعيد سيرة العراق الوطنية والقومية وهو الذي سيؤكد قدر وحتمية الدور الحضاري لهذا القطر العربي الشامخ الذي طالما كان فيضاً من القوى والعزة والكرامة على أمته العربية.
حرر في 22 ديسمبر 2011م. التجمع القومي الديمقراطي
مملكة البحرين