اجتمعت الأمانة العامة للتجمع القومي الديمقراطي مساء يوم الثلاثاء الموافق 16 أغسطس، وناقشت باستفاضة الموقف من الانتخابات التكميلية المزمع إجراءاها الشهر المقبل، ويرى التجمع القومي أن هذه الانتخابات تأتي وسط ظروف بالغة الصعوبة سياسيا واجتماعيا، حيث خلفت حالة السلامة الوطنية التي أعلنت خلال شهر مارس الماضي الآلاف من المفصولين تعسفيا عن العمل والمئات من المعتقلين دون وجه حق، شملت كافة فئات المجتمع من عمال ومعلمين وأطباء ومهندسين ومحامين وسياسيين وطلبة، نساء ورجال، كما تفاقمت الحالة الأمنية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وتعمق الشرخ الطائفي في المجتمع بدعم من إعلام رسمي موتور وقوى طائفية مقيتة أعادت الحالة السياسية في البلاد إلى الوراء عشرات السنين.
وإزاء هذا الوضع المتفاقم سوء، جاءت مبادرة عاهل البلاد بإجراء الحوار الوطني، حيث سارعنا بالترحيب بها، ووجدنا فيها الطريقة الأنسب للخروج من الحالة المتردية والمأساوية التي وصلت إليها البلاد، كما رحبنا باللجنة المستقلة لتقصي الحقائق كوسيلة تمهد للمصالحة الوطنية وإحقاق الحق والعدالة.
ورغم مشاركتنا الفاعلة والإيجابية في كافة مراحل الحوار الوطني ومبادرتنا بالتنسيق مع جمعيات التيار الوطني الديمقراطي لطرح المقترحات التي وجدنا أن من شأنها أخراج البلاد من حالة التراجع والانقسام إلى حالة المصالحة الوطنية واستئناف المشروع الإصلاحي، وخاصة فيما يخص بالإصلاحات الدستورية والسياسية الضرورية التي وردت في المبادئ التي أعلن عنها سمو ولي العهد خلال شهر مارس الماضي، فقد أدت آلية وتركيبة الحوار إلى تعطيل كافة تلك المقترحات، مما فوت فرصة تاريخية سانحة أمام الوطن وكافة فئات الشعب لإرساء أسس وطنية جديدة متوافق عليها للإصلاح السياسي والاجتماعي والوحدة الوطنية. وللأسف، فقد سادت أصوات "أبقاء الوضع على ما هو عليه" جلسات الحوار رغم معرفة الجميع أن الوضع السياسي والاجتماعي الراهن يؤجج الظلم والغبن لمكونات رئيسية في المجتمع، وأن هناك معضلات سياسية واجتماعية لا بد من معالجتها.
لقد أفضت مخرجات الحوار من حيث المحصلة الواقعية إلى عودة البلاد إلى المربع الأول حيث لا أفق واضح للإصلاح السياسي، ومما زاد الأمر سوء استمرار الاعتقالات والفصل التعسفي وانتهاكات حقوق الإنسان وسقوط الضحايا وتصاعد العنف والعنف المضاد، وهي جميعها تخلق أجواء غير إيجابية تخيم على الانتخابات التكميلية القادمة، تفرض على التجمع إعلانه عدم المشاركة فيها.
أن مشاركة التجمع القومي في الانتخابات البرلمانية التي تمت في أكتوبر 2010م كانت تعبيراً صادقا عن روئ وتوجهات التجمع القومي في العملية الانتخابية حيث لم تكن تلك المشاركة لمجرد تأكيد حضورنا السياسي، والتي تمثل الانتخابات النيابية أحد تجلياتها، أنما هذه المشاركة قائمة علي أيمان التجمع القومي بمشروع وطني يسعي إلي انجازه بالتعاون مع كل القوى الوطنية الديمقراطية والإسلامية، والذي ينطلق من مقاربة تطلعات شعبنا بكل مكوناته وقواه السياسية والمجتمعية في تحقيق مطالبه العادلة والمشروعة في الحرية والديمقراطية ودعم استقرار البلد وتطوره علي كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومنذ اندلاع أحداث فبراير الماضي، حرص التجمع القومي على المساهمة في أخراج البلاد من حالة التردي السياسي والأمني، وقد أعلنا ذلك في أكثر مرة وترجمناه في مواقفنا السياسية إزاء كافة المبادرات المطروحة، مؤكدين بنفس الوقت رفضنا للشعارات المتطرفة وغير الوطنية، كما أكدنا على سلامة البلاد ووحدتها الوطنية ورفض التدخلات الخارجية أياً كان مصدرها، ليأسف اليوم أن تصل تلك الحالة إلى ما وصلت إليه، وعليه فقد دعونا مع قوى التيار الوطني الديمقراطي، برغم مخرجات الحوار الوطني، لعدم غلق باب الحوار واستئنافه عبر أشكال أكثر جدية لحين الوصول إلى حلول مرضية تضمن مشاركة الجميع في الحياة السياسية والبرلمانية. حيث أن الإصرار على إجراء الانتخابات التكميلية، التي كانت نفسها وليدة أزمة أحداث فبراير الماضي، ووسط استمرار أجواء تلك الأزمة ومقاطعة مكونات رئيسية لها سيزيد الأمر سوء في مرحلة ما بعد الانتخابات ويفتح الأبواب أمام التحشيد السياسي والطائفي والأمني، وهي حالة ستلحق الضرر بمصالح واستقرار البلاد.
واليوم إذ يتزامن هذا الإعلان مع مرور 40 عاماً على ذكرى استقلال البحرين، فأننا نجد أن من حق شعب البحرين وبعد مرور هذه العقود الأربعة من الاستقلال وما قدمه خلالها من تضحيات جسام أن ينعم بحياة حرة وكريمة وديمقراطية، وان يحتفل بهذه المناسبة بكافة أبعادها السياسية والوطنية، حيث وضعت حد فاصل بين التبعية السياسية والعسكرية وبين الاستقلال الوطني، ولن يكون تجسيد هذه الأبعاد ممكنا في وقتنا الراهن إلا بأحداث نقلة نوعية في مستوى الحريات والإصلاح الديمقراطي والدستوري وحياة المواطنين. لذلك، فأننا نجدد اليوم دعوتنا الصادقة لإبقاء أبواب الحوار مفتوحة وإطلاق مبادرات جادة وشجاعة لمواصلة نهج الإصلاح السياسي والوحدة الوطنية.
أن التجمع القومي إذ يعلن مواقفه هذه، فأنه يحترم حق الجميع في المشاركة في الانتخابات التكميلية القادمة، ويرفض أن يتخذ منها ذريعة لتقسيم البلاد إلى موالين ومعارضين أو للتخوين والتسقيط، كما أنه يرفض منذ الآن أعادة البلاد إلى حالة ثنائية المقاطعة والمشاركة، فالأولويات اليوم، وإزاء ما يواجه الوطن من تحديات ومعضلات، هي أهم وأكبر من موضوع الانتخابات البرلمانية التكميلية، ويجب أن تنصب على إعادة البلاد إلى حالة الاستقرار والانفراج الاجتماعي والسياسي عبر التوافق على الإصلاحات السياسية والدستورية المنشودة وعودة المفصولين وإطلاق سراح المعتقلين ووقف الانتهاكات الأمنية وخطابات التحريض الطائفي واتخاذ مبادرات جادة لإعادة اللحمة الوطنية وترسيخ مبادئ المساواة والحق والعدالة.
التجمع القومي الديمقراطي
الثلاثاء 16 أغسطس 2011