في وقت متزامن تناقلت وكالات الأنباء العالمية وكافة أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة أنباء تلك التقارير الصادرة عن أوضاع حقوق الأنسان وجرائم الاحتلال في العراق على أيدي الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الطرف المحتل لهذا البلد منذ عام 2003م منتهكة كل الأعراف والقوانين الدولية والشرعية، وباعتبارها الجهة التي قامت بفرض تلك " الحكومات " العميلة لها التي تقوم بأبشع الجرائم وبكل الفظائع التي تنتهك حقوق الإنسان.
فقد أصدرت منظمة " هيومن راتيش ويش " تقريرها الذي أكدت فيه أن الولايات المتحدة لا زالت تنتهك حقوق الإنسان الأساسية من خلال الإبقاء على مراكز الاعتقال السرية في الخارج واعتقال أشخاص بطريقة غير شرعية، وأنها لا زالت تبرر استخدام التعذيب. وأكد نفس التقرير أن أوضاع الإنسان في العراق تحت الاحتلال الأمريكي قد تدهورت بصورة فظيعة في عام 2007م، وأن أعمال القتل والعنف ضد المدنيين لا زالت في تصاعد مستمر، ونحن نستنكر تلك الجرائم الإرهابية التي يروح ضحيتها الكثير من الضحايا والجرحى في الأنفس والممتلكات. وأن عمليات التطهير الطائفي التي تمارسها القوات والميليشيات الطائفية التابعة لحكومة الاحتلال لا زالت مستمرة أيضا.
ومع هذا التقرير ــ الذي يكشف زيف ادعاءات واشنطن حول دفاعها عن حقوق الإنسان ــ صدرت دراسة أعدها مركز استطلاعات الرأي " اوبنيون ريش يبزنس " الذي يتخذ من لندن مقراً له بالتعاون مع معهد " الإدارة والمجتمع المدني المستقل " حول الأوضاع في العراق استناداً إلى مقابلات ميدانية تمت مع أسر عراقية وأفراداً عراقيين من مختلف الأعمار. هذه الدراسة أكدت أن أكثر من ( مليون وثلاثة وثلاثين ألف ) عراقي قتلوا منذ غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها عام 2003م، وأن أكبر عدد من القتلى سجل في بغداد، حيث فقدت أربعون في المائة من العوائل العراقية أحد أفرادها.
إن توالي هذه التقارير والدراسات الحديثة وما سبقها حول مسألة جرائم الاحتلال في العراق تؤكد بما لا يقبل الشك حقيقة ما حصل ويحصل في العراق على يد القوات المحتلة وعملاءها الذين اجتاحوه، وقتلوا العباد وهتكوا الأعراض، ونهبوا الأموال واستهانوا بكل الحرمات، وعاثوا في الأرض فساداً وتقسيماً، وزرعوا الطائفية والأحقاد والكراهية في كل ربوع العراق، كل ذلك يجري بينما المجرم بوش يتشدق بأكاذيب نشر الديمقراطية والرخاء في هذا البلد المنكوب. وبسبب المحتل الأمريكي وعملائه وما يمارسونه من سياسات إجرامية أصبح العراق اليوم مرتعاً لكل الغزاة واللصوص، ومقراً لكل الطامعين القادمين من الغرب والشرق من الحاقدين على العراق ودوره القومي.
ومع هذه الصورة المأساوية والكئيبة التي ترسمها هذه التقارير بالنسبة إلى حقيقة ما يعيشه العراقيون وما يتجرعونه من كؤوس العذاب فإن هناك العديد من الإحصائيات الأمريكية والدولية المحايدة التي تؤكد أن عام 2007م هو أكثر الأعوام دموية بالنسبة للقوات الأمريكية في العراق بالرغم من ادعاءات المحتل الأمريكي بانخفاض حجم عمليات المقاومة ضد قواته وبالرغم من كذب الحكومة المالكية العميلة بتحسن الوضع الأمني في العراق، ومن سياسة التقسيم التي تمارسها، فإن كل التقارير الواردة من العراق تؤكد اشتعال المقاومة العراقية في كل أنحاء العراق، وأن القوات الأمريكية والميليشيات وقوات حكومة الاحتلال تتكبد اكبر الخسائر الأمر الذي دفع بمعدلات الانتحار في صفوف الجنود الأمريكيين– حسب اعتراف الجيش الامريكي نفسه مؤخرا – لتسجيل ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الثلاث الماضية، حتى وصلت إلى مستويات لم يشهدها الجيش منذ اكثر من ربع قرن حيث بلغ عدد الذين حاولو الانتحار اكثر من الفي جندي أمريكي عام 2006 وأن الذين انتحروا بلغ عددهم 102 جندي. وهو ما يدفع أيضا قوات الاحتلال والميليشيات العميلة الحاكمة للقيام وبشكل يومي بشن عملياتها العسكرية وهجماتها المعززة بالطائرات مستهدفة كل المدن والقرى والعشائر العراقية الرافضة والمعارضة للاحتلال وعملائه، وأصبح كل العراقيين بمختلف انتماءاتهم العرقية والطائفية هم ضحايا هذا القتل الإجرامي الذي يحصل في العراق، وصار منجل الموت والاغتيال والاعتقال يحصد أبناء العراق في النجف وكربلاء وكركوك وبغداد والبصرة والموصل والناصرية والأنبار.
إن هذه التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية حول العراق وما تكشفه من حقائق مروعة حول جرائم الاحتلال وعملائه في العراق تستدعي وقفة عربية جريئة ومسئولة ــ على الصعيدين الرسمي والشعبي ــ أمام أهوال ما يجري للشعب العراقي الشقيق من قتل ودمار، كما أن هذه التقارير تستوجب تحرك كل الدول وكل القوى الرافضة للعدوان وانتهاك حقوق الإنسان في العالم من منطلق المسئولية الإنسانية لوضع حدً لطاحونة الموت التي يديرها المحتل الأمريكي في العراق وزمر الشر من العملاء والخونة.