بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كانت مشاهد المدن اللبنانية منذ أيام ميداناً لحرب حقيقية، تُذكِّر اللبنانيين بما حصل في العام 1975، ولكنها كانت أكثر هولاً وفظاعة، فالقتال كان ينتقل مثل النار التي تحرق بدربها كل شيء، واستبيحت فيها كل المحرمات، من قتل وتعذيب وتشويه، وتدمير الممتلكات والأرزاق.
وقد حصل ما كان حزبنا يحذِّر في بياناته السابقة من وقوعه إذا ما استمرت أبواب الحوار مقفلة بين الأفرقاء السياسيين، ولما استمر الفعل ورد الفعل من حقن طائفي وحقن مضاد شبَّ الحريق وانتشر بسرعة كبيرة ومخيفة.
وإذ يسجل حزبنا ارتياحه بنجاح الوفد العربي في إخماد الحريق، وجمع الأفرقاء السياسيين إلى طاولة حوار نتمنى أن تكون خواتيمها سعيدة للبنانيين، ونتيجة لكل ما حصل، وما قد يحصل، توقفت القيادة أمام الواقع الأليم وأصدرت البيان التالي:
بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة إعادة إحياء المؤسسات الدستورية كمركزية تحفظ وحدة الدولة والشعب، هناك حقيقتان ثابتتان على الصعيد الوطني اللبناني لا بدَّ من تأكيدهما والاتفاق حولهما، وهما:
الحقيقة الأولى هي رفض كل التدخلات الخارجية، وفي المقدمة منها المشروع الأميركي والصهيوني في شؤون لبنان الداخلية وشؤون الوطن العربي، ومقاومة كل استجابة أو تعاون أو مساعدة على تمريرها أو تمهيد الطريق لنجاحها.
والحقيقة الثانية هي مقاومة العدو الصهيوني بكل الوسائل والسُبُل، والامتناع عن توظيف سلاحها في مجرى الصراع السياسي الداخلي مهما كانت الأسباب. وبالتالي رفض وجود أي سلاح في الداخل اللبناني غير سلاح الشرعية اللبنانية للمحافظة على أمن اللبنانيين وحياتهم.
ولما كان الصراع في لبنان يدور في هذه المرحلة بين فريقين، يتبادلان الاتهامات بالخيانة، فإن الأمر سيؤدي إلى مزيد من تعميق الشرخ النفسي بين اللبنانيين من جراء تلك الاتهامات. وبالتالي يوسِّع الفجوة التي يصعب ردمها كلما طال وقت الاتفاق على حلول للأزمة.
لقد تعمَّق الشرخ بعد مرور أكثر من سنتين من تبادل الاتهامات، وانعكس احتقاناً بين أنصار الفريقين أدى إلى إعلاء سقف الحواجز الطائفية والمذهبية بينهما. وارتفعت جدران الفعل وردود الفعل، وهكذا غرق لبنان في دوامة مفرغة أصبح من الصعوبة الخروج منها. وكان لا بدَّ والأمر كذلك من الوصول إلى حافة الهاوية، فبدأ اللبنانيون بالانحدار إليها منذ يوم الأربعاء في السابع من أيار من هذا الشهر. ولولا بقاء المؤسسة العسكرية محصَّنة، كمؤسسة واحدة يراهن عليها اللبنانيون كأمل أخير لوحدة لبنان لم تعبث به ردود الأفعال، لكانت الفتنة قد انتشرت أكثر وأسقطت المزيد من القتلى والخسائر المادية.
لذا، ولكي لا يعيش اللبنانيون تحت كابوس الانفجار بين لحظة وأخرى، ويبقى الخوف ماثلاً في ردود فعل قد تخرج عن السيطرة مهما بلغت إرادة احتوائها،
ولأن شتى الأفرقاء هم شركاء في هذا الوطن، ومن واجبهم إرساء التعايش بين كل ألوانه السياسية والطائفية، ولا يمكنهم الاستمرار في التعايش إلاَّ بتبادل عوامل الثقة في النوايا والسلوك،
ولأنه لا يمكن إرساء أي حل إلاَّ بتوافقهم الوطني أولاً مهما بلغ تدخل الخارج وتأثيره،
يدعو حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي كل الأفرقاء المنخرطين في اللعبة السياسية إلى البدء بحوار جاد، في مكان اجتماعهم في الدوحة، والخروج باتفاق على سلة من المبادئ بعيداً عن ردود الفعل وتمنع تأثيراتها على الشارع، والالتزام بالامتناع عن الاحتكام إلى السلاح ومن أهمها:
أولاً: إلغاء كل الاتهامات المتبادلة بالتخوين، والالتزام بميثاق شرف إعلامي يعزِّز عوامل الثقة بين الأفرقاء السياسيين، كخطوة أساسية لإعادة اللحمة بين اللبنانيين.
ثانياً: تأكيد ثابت الحوار الديموقراطي كبديل لكل الحوارات الأخرى، وإلغاء كل أنواع الضغوط المتبادلة خاصة منها التهديد بالسلاح واستخدامه.
ثالثاً: تحييد ما هو سياسي وأمني عما هو اجتماعي واقتصادي يرتبط بمصالح الشعب، وخاصة ما يرتبط منه بالأمنين الاجتماعي والاقتصادي.
رابعاً: وكخطوة أولى تمهِّد للبدء بإلغاء الطائفية السياسية، التي هي أساس كل مشاكل اللبنانيين، يجب أن يلتزم الأفرقاء بميثاق شرف على ترشيد الخطاب السياسي، وإلغاء كل ما يعزز الحقن الطائفي، وذلك بالحرص على التنسيق مع المرجعيات الدينية من أجل أن تلعب دورها الأساسي في تعزيز اللحمة الوطنية والإنسانية بين اللبنانيين، كبديل لتعزيز الشعور الطائفي واستثارة ما هو كامن منه في النفوس.
خامساً: التمييز بين ما هو حق في المقاومة ضد العدو الصهيوني، وبين ما هو حق في الموقف السياسي الوطني الداخلي، على أن يتكامل الموقفان من دون أن يتصادما، وكخطوة أولى البدء في توفير عامل التطمين بأن يكون ما هو حق للمقاومة بعيداً عن استثماره في الشؤون السياسية الداخلية. وإن هذا الأمر تصوِّبه مصالح لبنان الوطنية أولاً وأخيراً، على أن يُبنى على قاعدة إجماع وطني بين شتى الأفرقاء، يتم التمييز فيه بدقة بين حق لبنان في مقاومة العدو الصهيوني وبين ما قد يتم توظيفه لأغراض فئوية تثير الخوف عند الأطراف الأخرى. وهذا يتم بتقديرنا بعيداً عن إملاءات القرار 1559، بأغراضه وأهدافه الأميركية والصهيونية.
سادساً: إن حزبنا إذ يرفض هيمنة الخارج الأجنبي على القرار الوطني اللبناني ويدينها، إلاَّ أنه يؤكد على الالتزام بعامل التكامل القومي بين الأقطار العربية والقضايا القومية، ويعتبره واجباً لا يمكن التحلل منه، خاصة منه معالجة وحل كل الجوانب التي تترك الأمن القومي العربي عرضة لمخاطر المشاريع الخارجية بشكل مباشر وغير مباشر. ويأتي أمن المقاومة العربية في صلب موجبات الأمن القومي، الأمر الذي يضع على عاتق فصائلها العمل من أجل توحيد جهودها والتنسيق فيما بينها، والعمل على تكامل أدوارها ونضالاتها.
لذا يرى حزبنا أن يُترجم التكامل الأمني العربي إلى عوامل تطمين جدي من قبل الدولة اللبنانية، بتطبيق مضامين اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ما يزيل المخاوف عند الدولة السورية من أي اختراق لأمنها الوطني من البوابة اللبنانية. وحصول لبنان على تطمينات مقابلة من الدولة السورية بتفعيل المعاهدات والتشريعات الصادرة عن مؤسسات القمم العربية وغيرها من المؤسسات القومية، ما يضمن الحدود الدنيا للتعاون والتنسيق بين البلدين الشقيقين.
وإذ يضع حزبنا المسؤولية على الأفرقاء المتصارعين ويطالبهم بوضع حلول سريعة للأزمة اللبنانية، فإنه يناشد الشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني، إلى التأمل بما يقع عليه من خسائر في الأرواح والممتلكات نتيجة انجراره إلى مواقع الحقن السياسي، وأكثره خطورة الاحتقان المذهبي والطائفي.
نشر في : شبكة البصرة