تصاعدت في الآونة الأخيرة وبشكل مؤسف بعض أحداث العنف في مناطق متفرقة من البلاد، بلغت ذروتها وخطورتها في مدينة حمد التي شهدت مواجهات وصدامات سالت معها الدماء وأحرقت المركبات ودمرت الممتلكات، مصادمات كانت أطرافها بعض العوائل البحرينية وأخرى ممن أكتسبوا الجنسية البحرينية وينحدرون من أصول عربية عجزوا عن التأقلم أو التعايش مع الوضع الاجتماعي في البلاد، وفشلوا في استيعاب وهضم أجواء التسامح التي يتميز بها المجتمع البحريني بحكم اختلاف البيئات والعادات والتقاليد التي تطبع وتغذي سلوكيات هؤلاء المتجنسين. وكان لابد لهاذا التناقض أن يطفو على السطح ويفجر معه في شكل تلك السلوكيات المرفوضة والاعتداءات المدانة والتي راح ضحيتها أشخاص أبرياء نطالب السلطات الأمنية بحمايتها وإحقاق الحق لها. إن احداث مدينة حمد الأخيرة كان لابد لها أن تقع – عاجلاً أو آجلا – كونها النتيجة المنطقية والحتمية لسياسة التجنيس السياسي والعشوائي التي تعتمدها الدولة لأغراض سياسية ليست بخافية على أحد، وهي سياسة طالما حذرنا من انعكاساتها السلبية وعواقبها الخطيرة على البلاد نظراً لما تحمله من قصر نظر وبعد عن المصلحة الوطنية، وما تمثله من انتهاكاً للدستور والقانون، وتهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار الاجتماعي، واستنزافاً خطيراً لموارد وإمكانيات البلاد المحدودة أصلاً، ناهيك عن ماتسببه من أرباك وتعدي على حق وحصة المواطنين من الخدمات التي تقدمها الدولة في مجالات الصحة والتعليم والاسكان والكهرباء وغيرها من الخدمات التي تعاني حالياً ضغوطاً استثنائياً وتمر بحالة عجز واضحة.
وقد جاءت أحداث مدينة حمد وانتقال شرارتها إلى مناطق اخرى – بكل ماحملته من مشاهد وصور عنف مروعة " لم يعتدها مجتمعنا البحريني " – جائت لتدق ناقوس الخطر وتعلن عن أن القادم أسوأ والكارثة ستكون أشد وأعمق إن لم يكن هناك نوايا صادقة وتوجه حقيقي لتدارك هذه المخاطر ومعالجة المشكلة من جذورها، من خلال إعادة النظر أو وقف سياسة التجنيس التي تتبعها الدولة تحت تصور خاطئ بأن هذه السياسة يمكن أن تساعد على إيجاد المخرج أو الحل لبعض الصعوبات والأزمات التي تعاني منها البلاد على المستوى السياسي والاجتماعي والخدمات الإسكانية.
ونحن في الوقت الذي نطالب فيه السلطات المسؤولة في الدولة بضرورة البحث عن الحلول الجذرية لهذه القضية الخطيرة… فإننا ندعو في ذات الوقت كافة أبناء الوطن وكل قواه السياسية والاجتماعية إلى التعامل مع هذه المشكلة بروح حضارية وإنسانية بعيدة عن أي توجه سياسي أو طائفي ضيق، مع ضرورة تجنب أية إساءة أو أية نظرة عدائية للأخوة العرب المقيمين في البلاد من الذين أجبرتهم ظروف أقطارهم العربية الصعبة على العيش بيننا، ومنهم الكثير من أصحاب الكفاءات العلمية والخبرات الممتازة، ممن قدموا خدمات جليلة للوطن وساهموا في تطوره ونهوض البحرين على مدى عقود من الزمن، وهؤلاء بلا شك أولى وأحق بالحصول على الجنسية البحرينية دون غيرهم.
ونحن نرى أن اعتماد هذا النهج الوطني الأخلاقي والإنساني هو التوجه السليم والقادر على تجنيب بلدنا ومجتمعنا أية هزات سياسية أو اجتماعية، ويحميه من كل موجات العنف والأضطرابات التي يمكن أن توجد كرد فعل على سياسة التجنيس المفتوحة دون قيود أو ضوابط، والتي لايمكن أن تقتصر نتائجها المدمرة على فئة أو طائفة دون أخرى، بل هي كارثة تضرب عمق الوحدة الوطنية وتمزق النسيج الوطني الاجتماعي في هذا البلد، وتحول دون نهوضه وتقدمه.
وفي ضوء المعالجة الشاملة التي ندعو إليها فإننا نرى أن الدولة مطالبة بالإقدام على بعض الخطوات العاجلة والضرورية التي من شأنها أن تساعد إحداث التوافق الوطني والسياسي، وتعزيز فرص تنمية السلم الأهلي والاجتماعي، ومواصلة مسيرة الإصلاح السياسي والديمقراطي على الأسس الدستورية والقانونية الصحيحة التي تلبي طموحات شعبنا وتتجاوب مع حقوقهم في الحرية والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.