مرة أخرى تتكشف أبعاد المؤامرة الكبرى التي يتعرض لها العراق الشقيق، وتتوالى الأحداث الجارية في هذا القطر العربي لتؤكد حجم وطبيعة المخطط الأمريكي الصهيوني الذي يجري تنفيذه لفعل الاحتلال وخيانة العملاء من الطائفيين والشعوبيين والعنصريين، وبمشاركة وتواطئ قوى ودول إقليمية وعربية من مصلحتها وأهدافها أن يبقى العراق كيانا ضعيفا ممزقا على أسس طائفية وعرقية حتى يسهل اقتلاعه ونهب ثرواته وخيراته وهو البلد الذي طالما شكل عبر التاريخ قاعدة لنهوض الأمة بما يختزنه من ارث حضاري وما يمتلكه من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية.
وها هي الأحداث اليومية في العراق تثبت بأنه كلما تفاقمت أزمة الاحتلال ومنيت مشاريعه بالفشل الذريع بفعل إستراتيجية المقاومة العراقية الناجحة وضرباتها الموجعة، وكلما شعر العملاء من أعوان الاحتلال بوطأة الهزيمة ومرارتها – رغم كل جرائمهم – وأدركوا بان الوقت لم يعد في صالحهم خاصة مع تكشف نواياهم الشريرة وأهدافهم الإجرامية في العراق، فلم يعد أمامهم سوى اللعب بالورقة الأخيرة وإسقاط كل الأقنعة عن الوجوه التي حاولت التخفي وراء شعارات كاذبة ومخادعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان (والمظلومية الزائفة) وهو ما يفسر تكالب هذه الدول العميلة وتصاعد الدعوات الصادرة عنها حول سرعة إقرار ما يسمى (بالدستور العراقي) والحديث عن تقسيم العراق تحت مسميات مثل فدرالية الجنوب والوسط للشيعة وفدرالية شمال الأكراد وما سبقها من دعوات انفصالية أخرى تطالب بفصل البصرة وبعض المحافظات العراقية ماليا وإداريا وجعل كل هذه الدعوات المشبوهة (كمطالب مقدسة) كما جاء على لسان قادة ومسئولي تلك القوى والمليشيات التي تتحكم اليوم في شئون العراق.
وهكذا صرنا نرى مستوى الهوان والذي بلغه العراق على يد هؤلاء الحفنة من الخونة والعملاء ودرجة الاستهانة للمشاعر الوطنية والقومية للشعب العراقي حتى صارت المطالب الطائفية (مطالب مقدسة) وصار الهم الطائفي في مقدمة الهموم ولم يعد هناك حديث عن العراق الوطني، الحر والموحد وصار الحديث عن حقوق الطوائف بدلا عن حقوق العراق وشعبه.
وهذه في الحقيقة أهداف لم تكن يوما خافية أو مجهولة لمن عرف وخبر أبعاد المخطط الأمريكي الصهيوني واستطاع قراءة أحداث المنطقة قراءة صحيحة ومنصفة خاصة في العقود الثلاثة الماضية التي واجه فيها العراق – نيابة عن الأمة العربية – الكثير من المخاطر والمؤامرات الداخلية والخارجية وتعرض فيها إلى حصار وعدوان بلغ ذروته في مارس 2003 بالغزو والاحتلال الأمريكي البريطاني وإسقاط حكومته الشرعية وتدمير الدولة العراقية بكل مؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية ووضع قانون يقوم على المحاصصة الطائفية.
وكان لا بد لمن عاش وأدرك هذه الوقائع أن يمتد ببصره إلى عبر التاريخ ليتعلم ويعرف انه كما كان وعد بلفور الذي أنشأ الكيان الصهيوني في فلسطين العربية سيكون فاصلا يمزق امتداد الأرض العربية وقاعدة لتهديدها والعدوان عليها فان ما يحدث اليوم في العراق ويتحدث به الطائفيون والعملاء عن (المشاريع الفيدرالية) (والكيانات المنفصلة) لا تقل خطورة من حيث النتائج والتداعيات المستقبلية عن ذلك الوعد المشئوم عندما تتمكن القوى الاستعمارية الصهيونية وحلفاءها في المنطقة (لا سمح الله) من وضع المخطط المرسوم للعراق وللدول العربية موضع التنفيذ والتعامل مع الأقطار العربية وهي ممزقة الأوصال على أسس مذهبية وعرقية.
وقد بات واضحا الآن أن شراسة الهجمة التي تتعرض لها الأمة العربية بكل أبعادها العسكرية والسياسية والثقافية، وان هذه المواجهة الحضارية التاريخية مع التحالف الإمبريالي الصهيوني الطائفي الشعوبي لا سبيل للانتصار فيها سوى عن طريق إرادة الصمود والمقاومة كما هو حاصل الآن على ارض العراق الطاهرة.
فالمقاومة العراقية الوطنية هي اليوم الأمل المتبقي والسبيل الوحيد لإفشال كل المشاريع والمخططات التآمرية على العراق والأمة وإسقاط الاحتلال وتداعياته، ومن ثم إخراج العراق من (أقفاص الطائفية) (وكنتونات عرقية) إلى رحاب الحرية والتحرير والحفاظ على وحدة أرضه وشعبه وعودته سليما معافا إلى حضن أمته العربية.
إننا في الوقت الذي ندين فيه مشاريع وممارسات الاحتلال وأعوانه وكل الدعوات الإجرامية لتمزيق وحدة العراق وشعبه فإننا ندعو كافة القوى الوطنية والقومية وكل الدول العربية التعامل مع ما يجري في العراق بوعي وبمسؤولية قومية للخروج من هذا الواقع المزري الذي يعيشه العراق في ظل الاحتلال وحماية حاضر ومستقبل الدول العربية كافة.
عاش العراق حرا عربيا موحدا.
عاشت المقاومة العراقية وقيادتها الشرعية.
الهزيمة لمشاريع ومخططات الاحتلال وأعوانه الخونة.
البحرين – المنامة 15 أغسطس 2005