هاني الفردان
نظر مجلس إدارة منظمة العمل الدولية مجدداً في شكوى 12 منظمة عمالية عالمية ضد حكومة البحرين والمتعلقة بانتهاك حكومة البحرين للاتفاقية (111) المعنية بحظر التمييز في الاستخدام والمهنة.
ولشُحِّ المعلومات الواردة من هناك، جاء بيان وزارة العمل عن الجلسة مليئاً بالمتناقضات الغريبة والعجيبة، فقد كان خجولاً، على رغم كونه أراد إعلان «النصر المؤزر» على غرار معارك جنيف، من خلال حديث الوزارة في بيانها عن أن «مجلس إدارة منظمة العمل الدولية جدد رفضه قبول الشكوى»، إلا أن الرد جاء سريعاً من قبل بيان المنظمة الذي أكد إرجاء (ألف خط تحتها). فقد جاء في الفقرة (ج) من البيان: «أرجأ المجلس اتخاذ قرار بشأن الشكوى إلى دورته الـ317 في مارس 2013». وهو ما يؤكد لنا تخبط الجهات الرسمية في التعاطي مع هذا الملف.
كعادة الجهات الرسمية تبحث عما يؤيد موقفها في كل المحافل الدولية، فتركز على جانب بسيط، وتجعل منه السمة الغالبة للمشهد العام، فقد بدأ بيان وزارة العمل بخصوص جلسة منظمة العمل الدولية بأن جميع المتحدثين من رؤساء وفود الدول الأعضاء، وكذلك فريق أصحاب الأعمال بمجلس إدارة منظمة العمل الدولية، أشادوا بالجهود التي قامت بها البحرين في سبيل حل قضية العمال المفصولين على خلفية أحداث العام الماضي، مشيرة إلى أن نسبة الإنجاز البالغة 98 في المئة يجب أن تدفع مجلس الإدارة إلى إقفال هذا الملف نهائيّاً واستبعاده من جدول أعماله.
والسؤال إذا كان الجميع مع السلطة في أطروحاتها وإنجازاتها، فلماذا لم تسقط القضية؟ ولماذا لاتزال مستمرة، بل أعطيت مهلة حتى مارس/ آذار 2013 لإنهاء ملف المفصولين بشكل كامل؟ وهو ما أورده بيان الوزارة ذاته.
على رغم إشادة الجميع بجهود السلطة في ملف المفصولين، فإن وزارة العمل بممثليها لم تستطع أن تغلق الملف نهائيّاً ولم تستطع إسقاطه من جدول أعمال المجلس، بل بقي معلقاً حتى الدورة المقبلة في مارس، مما يبقي السلطة متورطة به، وغير قادرة على تجاوزه، ويجب أن تعد العدة من جديد له، وأن تدخل في حسابات جديدة مع المفصولين حتى ذلك الموعد.
في فقرة أخرى من البيان؛ سوقت الوزارة لأطروحتها بأن حل ما تبقى من قضايا مفصولين يجب أن يكون عبر القضاء، وأسندت ذلك الحديث إلى جميع المتحدثين في الاجتماع، هذا إذا ما عرفنا أن من دعموا السلطة عشر دول فقط كما أوردتهم في بيانها بالاسم (قطر، الإمارات، مصر، السودان، الجزائر، تايلند، الهند، الصين، باكستان، وسريلانكا)، دون ذكر أن ذلك من مجموع 56 دولة، ما يعني أن 46 دولة لم تقف إلى جانب السلطة في أطروحاتها، ولو كان عكس ذلك لما تأخرت أبداً في ذكر أسمائها.
وزارة العمل هاجمت الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، واتهمته بما معناه «فبركة» المعلومات، إذ أكدت في بيانها أن «ممثل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين قدّم بياناً لا يعكس الإنجازات والخطوات الجادة التي اتخذتها البحرين، مدعياً حدوث انتهاكات لحقوق العمال والنقابيين، نافياً حدوث أي تقدم ملحوظ في ملف المفصولين، هذا على رغم إشادة الجميع بما حققته حكومة البحرين في هذا المجال»!
وبالطبع؛ فإن بيان الاتحاد لقي بحسب وزارة العمل «اعتراض الدول التي بادرت بالحديث في الجلسة (الدول العشر فقط) وكالعادة؛ فقد أيد الجميع جهود الحكومة البحرينية وحرصها على تعزيز التعاون على المستوى الثلاثي»، وبالتأكيد فإن هذا البيان هو الذي أزعج السلطة، وهو الذي جعل من القضية مستمرة، وهو الذي مدد بقاء الشكوى على جدول أعمال المنظمة الدولية لأربعة أشهر أخرى، وهو الذي أعاق صدور بيان «النصر المؤزر» للسلطة في جنيف، وأسقط ما هو معد للاحتفال، وبالتالي استحق الإتحاد العام لنقابات عمال البحرين هذا الهجوم العلني من وزارة العمل.
التعاون الثلاثي الذي تحدثت عنه السلطة، لم يستطع وفد منظمة العمل الدولية الذي زار البحرين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تلمسه، إذ غادر الوفد البحرين من دون تحقيق أي اتفاق، وبعد فشل الاجتماع الثلاثي -وفي وجوده – في تسوية الملفات العالقة للمفصولين، وهو ما دعا الوزير إلى المساومة على سحب الشكوى أولاً مقابل إرجاع المفصولين.
تأثير بيان الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين كان واضحاً في كلمة السلطة أمام مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، فعلى رغم الاتهامات «بتقديم معلومات لا تعكس الانجازات»، فإنها حاولت استرضاء ممثلي العمال من جديد باللجوء للحوار الداخلي، والابتعاد عن الشكاوى الخارجية، والعمل على معالجة القضايا عبر الحوار الثلاثي، الذي أثبت فشله الذريع منذ أكثر من عام ونصف في تنفيذ التوجيهات العليا بإرجاع جميع المفصولين لأعمالهم من دون شروط وبكامل حقوقهم.
فتح الصفحات المشرقة، لن تكون على أرزاق الفقراء، ولا على قوت الأبرياء، ولا على حساب محرومين، ومشرّدين، ولن تكون من أجل تحقيق مكاسب سياسية، ولا صفقات تسوية، بل بإرجاع الحقوق كل الحقوق إلى كل من سلب منه حقه.
ما لم تدركه السلطة ممثلةً في وزارة العمل، أنه لن يكون هناك بيان نصر ولا احتفالات وتبادل برقيات تهنئة بإسقاط الشكوى الدولية، ما دام هناك عامل مفصول واحد، ومظلوم واحد حُرم من وظيفته وقطع عنه رزقه أو استولي على وظيفته لأسباب سياسية، طائفية، تمييزية، وفئوية.
القضية مستمرة، وفي مارس المقبل جولة أخرى، وفرصة للسلطة لغلق الملف نهائيّاً بعيداً عن خزعبلات البيانات، والتلاعب بالكلمات، والمساومة على أرزاق الناس.