حزب البعث العربي الاشتراكي
القيادة القومية
بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
حول الأوضاع العربية الراهنة
استعرضت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الأوضاع العربية في ظل التطورات التي تعيش الأمة تفاعلاتها وخلصت إلى إصدار البيان الآتي نصه:
أولاً: توقفت القيادة القومية للحزب، أمام اندلاع الانتفاضة الشعبية في فلسطين، فرأت فيها انبعاثاً متجدداً للفعل الثوري المقاوم الذي يطوي هذه الأيام عقده الخامس على انطلاقته، فاتحة بذلك كوة في جدار الانسداد السياسي لتفاعلات القضية الفلسطينية عربياً ودولياً ومخترقة جدار الفصل العنصري بشمولية الانتفاضة عموم الأراضي المحتلة.
إن هذه الهبة الشعبية التي فجر صاعقها إقدام العدو الصهيوني على اقتحام الأقصى بهدف تهويده من ضمن خطته الشاملة لفرض الصهينة الكاملة على كامل معالم الحياة العربية في فلسطين وعبر بدعة التقسيم المكاني والزماني، أثبتت للعالم أجمع بأن جماهير فلسطين تخترن من الطاقات النضالية ما يمكنها من فرض وجودها كعامل حاسم في تحديد مسار الأوضاع. وقد برهنت أن إرادة الفعل المقاوم هي أقوى من الآلة العسكرية التي يمتلكها العدو، وأن التضحيات مهما بلغت جسامتها تبقى واجباً مفروضاً لإنقاذ عروبة الأرض وحماية قدسية وحرمة المقامات ذات الرمزية الدينية من إسلامية ومسيحية، بحيث أن مخططات العدو لا تستهدف مقدسات المسلمين وحسب بل المسيحيين أيضاً، فاليوم الأقصى وغداً كنيسة المهد والقيامة إذا ما قيض لمشروع التهويد أن يأخذ طريقة للنفاذ.
إن القيادة القومية وهي تكبر بأبناء شعبنا في فلسطين هذا الموقف النضالي البطولي تهيب بقوى الثورة الفلسطينية في داخل فلسطين وخارجها أن ترتقي بمواقفها السياسية إلى مستوى المسؤولية الوطنية التاريخية، عبر ملاقاة هذه الانتفاضة بمبادرة وطنية فلسطينية على قاعدة موقف سياسي تستجمع فيه القواسم المشتركة وعلى قاعدة تقديم الصراع الوجودي مع العدو على أي صراع آخر. وهذا ما يتطلب إعادة صياغة برنامج عمل، تتكامل فيه معطيات الكفاح المسلح مع العمل السياسي وفعاليات النضال الجماهيري، وتصويب الموقف السياسي باتجاه الهدف المركزي، إلا وهو التحرير بعدما ثبت عقم الأساليب الأخرى وعنوانه أوسلو وكل مسار المفاوضات.
إن القيادة القومية وهي تقدر عالياً تضحيات جماهير فلسطين وإقدامها ومقاومة العدو باللحم الحي، ترى بأن العدو الصهيوني ما كان ليتمادى في عدوانيته وصلفه، لولا حالة الانشطار السياسي في الواقع الفلسطيني ولو لم يكن الوضع العربي على ما هو عليه من انشغال ومشاغلة في صراعات متفجرة في أكثر المواقع تأثيراً في مجرى الصراع العربي الصهيوني. وهذا ما يؤكد بأن احتواء مصر في إطار اتفاقيات كمب دافيد، واحتلال العراق وتدمير بنيته الوطنية، ووصول الصراع المتفجر في سوريا مستوى غير مسبوق من الانكشاف الوطني والتدمير الشامل لكل المرافق الحياتية والحيوية، إنما يرتبط مباشرة بترتيبات الأمن الصهيوني الاستراتيجي الذي يراد فرضه من خلال فرض واقع عربي جديد، تحت عنوان إعادة تركيب نظام إقليمي جديد، يلبي مصالح كل أعداء الأمة من إقليميين ودوليين على حساب الحق القومي العربي في الإمساك بناصية قراره ومصيره ومقدراته.
وعلى هذا الأساس، فإن الانتصار لفلسطين وانتفاضتها هو بوحدة وطنية فلسطينية على قاعدة البرنامج المقاوم، وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الخطاب السياسي العربي، لأنه من فلسطين بدأت خطوات تنفيذ المخطط الاستعماري الاستيطاني ضد الأمة العربية، وإليها يجب أن تشخص الأبصار وتحشد الإمكانات وتحصن الساحات من الاختراقات المعادية سواء كانت تقدم نفسها تحت لبوسات طائفية ومذهبية، أو تحت استدعاء لقوى تدخل إقليمي ودولي تمارس عدوانها الموصوف رغم كل زعم معاكس. وعند ذلك سيشعر أهلنا في فلسطين المحتلة أنهم ليسوا وحدهم في صراعهم الوجودي، وسيعيد العالم النظر بموقفه من القضية الفلسطينية كقضية شعب يكافح لأجل حقه في الحرية والعيش الكريم.
ثانياً: توقفت القيادة القومية للحزب أمام تطورات الوضع في العراق، والمخاطر التي تتهدده بهويته القومية ووحدته الوطنية وتماسك نسيجه الاجتماعي، فرأت بأن الحملة الدولية التي تقودها أميركا تحت حجة مواجهة قوى الإرهاب، هي عدوان متكرر من أميركا وكل من يخدم أهدافها بالتحالف والتقاطع لفرض أجندتها السياسية والتي لأجلها شنت العدوان على العراق واحتلته وحاولت تنفيذ مشروعها، عبر واجهات أناطت بها إدارة البلاد تحت مسمى العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال. أما وأن المشروع الأميركي الأصلي ووجه بمقاومة وطنية استطاعت أن تفرض الانسحاب على قوات الاحتلال، فإن الإدارة الأميركية أفسحت المجال للنظام الإيراني لأن يحقق مداورة ما عجزت عنه مباشرة. وبذلك تلاقت أهداف المحتل الأميركي والنظام الإيراني حيال العراق لمنعه من الاستنهاض وتوظيف نتائج الفعل المقاوم في سياق مشروع وطني هادف، لإعادة توحيد العراق على الأسس الوطنية والديموقراطية وعلى قاعدة المساواة في المواطنة والتعددية السياسية.
ان المقاومة الوطنية العراقية والتي لعب الحزب دوراً محورياً فيها، اثبتت من خلال أدائها النضالي ومواقفها السياسية، أنها تمثل الشرعية الوطنية وتحاكي قضايا الشعب الحيوية من التحرر الوطني من الاحتلال بكل أشكاله وأطرافه، إلى الاستلاب بكل أنواعه. وكان أفضل تعبير لحالة التفاعل الجماهيري مع العناوين الأساسية للمشروع الوطني الذي حملت لواءه قوى الفعل المقاوم، ذاك الحراك الشعبي الذي انطلق عشية الانسحاب الأميركي عبر استحضار عناوين المسألة الوطنية، وكان بمثابة جولة أولى من النضال الجماهيري أعقبته جولة ثانية هي التي تعيش بغداد وكل المدن العراقية مشهدياتها، وهي تغص بالجماهير المنادية بالحرية والاستقلال وطرد المحتل وإنهاء منظومة الفساد التي نهبت ثروات البلاد وبددتها خدمة لأغراض المحتل الأميركي والنظام الإيراني والأدوات السلطوية،التي مارست الحكم بعقلية الثأر والانتقام وتطييف ومذهبة الحياة السياسية والاجتماعية.
إن القيادة القومية للحزب وهي التي تدرك جيداً، أن استهداف العراق لم يكن لذاته وبما يمثله وحسب، بل لاستهداف الأمة العربية، ترى أن مسيرة العد العكسي لهزم المشروع المعادي المتعدد المواقع والمشارب من الغرب السياسي الذي يمارس سياسة استعمارية إلى الشرق الدولي والاقليمي الذي يتماهى مع الغرب في تحقيق هدف الأطباق على الأمة، إنما تبدأ من العراق. ولو لم يكن العراق يتبوأ هذه المركزية في صلب المشروع القومي العربي التحرري، لما كانت تكالبت عليه هذه الاصطفافات الدولية والإقليمية، وخاصة الدور الذي لعبه ويلعبه النظام الإيراني، كمتكئ للقوى الدولية التي تناصب الأمة العداء، وكصاحب مشروع أصلي لا يرى نفاذه إلى العمق القومي إلا إذا كانت بوابة العراق مشرعة أمامه، ليمارس سياسة مكشوفة في تخريب بنى المجتمع العربي، مكملاً بنتائج عمله فيما لو تحققت ما يسعى العدو الصهيوني لتحقيقه، وهو دفع التقسيم في المجتمع العربي وفي دوائر مكوناته الوطنية إلى ما دون التقسيمات الكيانية القائمة حالياً.
من هنا، ترى القيادة القومية للحزب، بأن المشروع الوطني الذي يحمي وحدة العراق وعروبته، هو ذلك الذي طرحته قوى الفعل المقاوم وعبر عملية سياسية جديدة تكون بديلاً لتلك التي أفرزها الاحتلال وأدت إلى نتائج كارثية كالتي يقف العالم على نتائجها.
إن الانطلاق نحو تأسيس عملية سياسية يجب ان تبدأ أولاً بالغاء قانون الاجتثاث للبعث، وإعادة تأسيس الجيش العراقي على قاعدة قانونة الأساسي في بنيته وعقيدته القتالية، وتشكيل هيئة من ذوي الخبرة والكفاءة لوضع مشروع دستور يطرح على الاستفتاء العام وتشكيل حكومة من الكفاءات المستقلة تشرف على انتخابات تشريعية وحتى تعاد هيكلة الحياة السياسية استناداً إلى الإرادة الشعبية، التي تفرزها صناديق الاقتراع وليس تلك التي تفرضها قوى الاحتلال الدولي والإقليمي. ان هذا المشروع الوطني هو الكفيل بتوفير أرضية لإعادة بناء العراق الجديد، كونه يوفر حاضنة سياسية وطنية لكل أبناء العراق بكل أطيافهم السياسية ويحصن الساحة الداخلية من محاولات التخريب والاختراقات المعادية. ومن يبدي حرصاً على وحدة العراق وعروبته عليه أن يلاقي قوى المشروع الوطني من داخل العراق وخارجه دون إقصاء أو الغاء وبما يمكن من حشد الطاقات الوطنية في مواجهة كل من يغمر شراً بالعراق.
ثالثاً: توقفت القيادة القومية للحزب أمام تطورات الصراع المتفجر على الساحة السورية وما خلفته من تداعيات على مستوى الداخل السوري وارتفاع منسوب التدخل الدولي والإقليمي في الشأن السوري وهي في هذا المجال تسجل ما يلي:
1- إن القيادة القومية التي دعت في وقت مبكر لحل سياسي للأزمة البنيوية تلبي الحاجة الشعبية في التغيير الوطني الديموقراطي وتحافظ على مقومات الكيان الوطني تحمل النظام المسؤولية الأولى بإيصال الأوضاع إلى هذا المستوى من الخطورة وما ترتب على ذلك من نتائج كارثية ليس اقلها المأساة الإنسانية التي تجسدها عملية النزوح التي تذكر بالنزوح الفلسطيني عام 1948. وإذا كانت الأمور قد اندفعت إلى ما هو قائم حالياً، فلأن الانكشاف الوطني مهد السبيل لكل القوى الدولية والإقليمية لأن تتدخل في الأزمة السورية سواء كان هذا التدخل مع النظام أو مع معارضيه والذي كان آخره التدخل الروسي. وهي إذ تسجل موقفها المبدأي برفض وإدانة كل اشكال التدخل الأجنبي اياً كانت أشكاله وتعبيراته في الشؤون العربية ومنها الشأن السوري. ترى في التدخل العسكري الروسي نسخة دولية عن التدخل الأميركي تحت مبرر مواجهة قوى الإرهاب، بحيث يبدو أن نتائج كلا التدخلين يكمل بعضه بعضاً.
إن القيادة القومية للحزب، وأمام هول المأساة الوطنية الاجتماعية والإنسانية التي يعيشها الشعب في سوريا بعدما تعسكرت انتفاضته تعود وتؤكد بأن الحل السياسي والذي تشكل وثيقة جنيف قاعدته الأساسية يشكل أفضل الحلول الممكنة كونه يفتح الطريق أمام إطلاق عملية سياسية جديدة تعيد هيكلة الحياة السياسية وتحقق الامتلاء السياسي الداخلي الذي ينهي حالة الفراغ التي عمدت لملئه قوى التدخل الإقليمي والدولي ونموذجه الصارخ الدور الإيراني بكل أذرعه العسكرية والأمينة والدور التركي بكل شبكة علاقاته وأخيراً الدور الروسي.
2- إن القيادة القومية للحزب وهي ترى ارتفاع منسوب المخاطر التي تهدد وحدة التماسك الاجتماعي والشعبي في سوريا تدعو كل القوى العربية الحريصة على أمن واستقرار المجتمع العربي ومرتكزات الدولة الوطنية، أن توحد رؤيتها وموقفها حيال الأزمة في سوريا، لاحتواء مأساة النزوح ضمن خطة عربية شاملة، ولتبوأ موقع على طاولة الترتيبات السياسية للأزمة للحد من تأثيرات قوى الإقليم والمواقع الدولية وكمقدمة لإعادة الاعتبار للدور العربي في تظهير الحلول السياسية للأزمات الوطنية العربية بعدما تقدمت الأدوار الدولية والإقليمية على حساب الدور العربي.
رابعاً: توقفت القيادة القومية للحزب أمام تطور الصراع في اليمن بمسبباته العسكرية من الداخل والخارج الإقليمي مؤكدة على ضرورة وقف هذا الصراع ووضع حد للدمار الذي يطال المواقع الاقتصادية والعسكرية والمرافق المدنية الحيوية والحياتية وانقاذاً للمعالم الاثرية في صنعاء وسائر المدن والشروع بإطلاق آليات الحل السياسي استناداً الى وثيقة السلم والشراكة التي وقع عليها ثلاثة عشر فريقاً ومن ضمنها الحزب وايضاً قرار مجلس الامن الدولي رقم 2216 واعتبار هذا الحل السياسي القائم على الحوار هو السبيل الافضل والاجدى لصياغة اسس النظام الوطني الديمقراطي الذي يحفظ حرية اليمن وحدة أرضه وشعبه وعروبته. وعليه فإن هذا الحل يجب أن يحفظ موقعاً لكل القوى السياسية اليمنية وعلى قاعدة الولاء الوطني بحيث لا يصار إلى إقصاء أو الغاء أحد، وبالتالي إطلاق عملية إعادة إعمار وتنمية شاملتين. والأمة العربية بما لديها من إمكانات قادرة على أن تكون وكما أثبت أنه بإمكانها أن تشكل رافعة سياسية لمشروع حماية وحدة اليمن وعروبته من مخاطر التقسيم والتشويه لهويته القومية وبإمكانها أن تشكل رافعة اقتصادية لإعادة بناء اليمن وفتح آفاقه على رحاب عمل عربي مشترك.
خامساً: توقفت القيادة القومية للحزب أمام ما آلت إليه الأمور في ليبيا، فرأت في المباحثات الجارية للاتفاق على مسودة ورقة سياسية موحدة، بداية تلمس لإطلاق عملية سياسية تعيد النظام إلى البلاد، وان رهن نجاحها هي إشراك كافة الأطراف السياسية في آلياتها التنفيذية بدءاً من المؤسسة العسكرية التي يجب إعادة بنائها على قاعدة المركزية والقانون الأساسي الذي يعيد الاعتبار للعقيدة القتالية للجيش الليبي كجيش وطني مهمته حماية الأمن الوطني وأمن المواطن والمشاركة في حروب التحرير القومية. وأنه بالقدر الذي تتحمل فيه القوى الداخلية مسؤولية إنجاح هذه المبادرة فإن على الأمة العربية لعب دور الرافعة والحاضنة وخاصة مصر والجزائر حيث تشكل ليبيا خاصرة رخوة لهما فيما لو بقيت الأوضاع على تشظيها، وهذا ما يفرض عليهما مسؤولية تفوق مسؤولية العرب الأخرين من خلال قدرتهما على تنسيق دور الجوار الليبي لتوفير مظلة حماية عربية لمشروع الحل السياسي.
سادساً: إن القيادة القومية للحزب التي رأت في الحراك الشعبي الذي انطلق لأجل التغيير الوطني الديموقراطي وعم أكثر من ساحة عربية، وخاصة في لبنان والبحرين ومصر تؤكد على سلمية هذا الحراك وفي أي ساحة انطلق، وترى في ما شهدته الساحة اللبنانية مؤشراً إيجابياً على التفاعل الشعبي مع الحراك الذي بقي محافظاً على سلميته وديموقراطية تعبيراته رغم القمع السلطوي والاستعمال المفرط للقوة الذي تعرض له. وأن الحشد الشعبي الذي نزل إلى الشارع بعيداً عن الاصطفافات المذهبية الوطنية عبر عن مكنونات وطنية لدى هذا الشعب الذي كما كان مبادراً انتصاراً للقضايا الوطنية القومية، كان حاضراً في احتضانه لقضاياه المطلبية ومقاومة نظام الفساد والإفساد والمحاصصة.
وإذا كان الحراك الشعبي في لبنان، أعاد الحضور للحركة الشعبية بعيداً عن لوثة الخطاب المذهبي والطائفي، فإن الحركة الوطنية في السودان استطاعت أن تثبت وجودها من خلال دورها النضالي وبلورة المطالب الشعبية في سياق مشروع متكامل يبدأ بقضايا الحرية والديموقراطية ومقاومة الفساد في السلطة وتحقيق الأمن المعيشي والاجتماعي وينتهي بالعناوين الوطنية التي تؤكد على دور السودان في تقوية مرتكزات ومضامين الأمن القومي العربي والتي يشكل تحصين الأمن الوطني واحدة من تجلياتها.
إن الحراك الشعبي في السودان والذي يشكل الحزب أحد قواه الأساسية بات رقماً صعباً في الحياة السياسية بحيث لم يعد بإمكان النظام تجاهله وأن دعوة الأخير لإطلاق حوار المعارضة ليس لكونه يريد أن يقيم نظاماً للمشاركة بل لأنه يريد احتواء المعارضة وإجهاض مشروعها في التغيير الجذري، وهذا ما رفضته قوى المعارضة، ليس لأنها ضد الحوار بل لأنها تريد للحوار أن يكون متكافئاً ولأجل تلبية المطالب الشعبية وليس لتعويم النظام وتخليصه من مأزقة الخانق.
سابعاً: إن القيادة القومية للحزب وفي ضوء معطى الوضع العربي الراهن، تعيد التأكيد، بأن الخطر الصهيوني الذي يشكل خطراً على وجودياً على الأمة، ليس الوحيد الذي يهدد الأمن القومي العربي، بل ثمة أخطار أخرى، بعضها يتجسد في المواقع الدولية التي توفر الرعاية والاحتضان للكيان الصهيوني وخاصة أميركا وبعضها يتجسد في المواقع الإقليمية وخاصة الموقعين الإيراني والتركي.
فالنظام الإيراني الذي لم يخف أهدافه في اختراق وتخريب الأمن القومي العربي مباشرة وعبر قوى مرتبطة به تمويلاً وتوجيهاً ما يزال يصر على دوره التخريبي سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو البحرين وسائر دول الخليج العربي، وما شبكات التخريب التي اكتشفت مؤخراً إلا دليل على إمعان النظام الإيراني في ممارسة هذا الدور الذي يخدم بنتائجه ما يسعى العدو الصهيوني لتحقيقه. وهذا ما يتطلب من الأمة العربية وقواها الخيرة أن تكون شديدة الوضوح في موقفها من النظام الإيراني والذي حاول أن يستغل القضية الفلسطينية وما تحتله في الوجدان العربي كي ينفذ من خلالها إلى العمق العربي باعتباره داعماً لها فيما النتائج هي العكس تماماً.
وإذا كان النظام الإيراني، يعتمد وسائط عدة للتدخل الشؤون العربية، فإن تركيا كموقع إقليمي متاخم، أعادت ترتيب موقفها ضمن معطى حلف الأطلسي، وهي بما تقوم به إنما تخدم أهداف هذا الحلف الذي تقوده أميركا والمحكوم أساسياً بثابتي أمن "إسرائيل" وأمن النفط.
إن هذا التشخيص للأوضاع المحيطة بالواقع العربي يجب أن يشكل حافزاً لإعادة بلورة معالم المركز العربي الجاذب الذي لا يستقيم إلا بإستعادة مصر لدورها القومي عبر استحضار خطاب سياسي يحاكي قضايا الجماهير المصري في التحول الوطني الديمقراطي ويقوي مناعة الدولة بوجه الاختراقات الامنية المشبوهة، كما يحاكي قضايا الأمة في حماية أمنها القومي من التهديدات التي يتعرض له من القوى التي تناصب الأمة العداء دولياً وإقليمياً. إن هذه الاستعادة من شأنها أن تعيد إطلاق المشروع القومي بأبعاده التوحيدية لأجل تحقيق الامتلاء الوطني والقومي لجماهير الأمة ووضع حدٍ للفراغ الحاصل الذي استغلته قوى الترهيب والتكفير الديني والسياسي، المحمولة وعلى رافعة التدخل الإقليمي والدولي، لملئه خدمة لأغراض التقسيم المجتمعي على أساس الانتماءات المذهبية والطائفية، وبما يشكل مضموناً مجتمعياً للنظام الإقليمي، الذي تسعى قوى الغرب السياسي والشرق الدولي والإقليمي لإقامته والذي لأجله اندفعت قواه العسكرية لرسم حدوده بزنار النار بحجة مقاومة الإرهاب ولو كان على حساب مصالح الجماهير ودمائها التي تسيل أنهاراً، واستقرار أبناء هذه الأمة الذين يتيهون في عالم الشتات.
إن القيادة القومية للحزب، وهي ترى النصف الملآن من الكوب من خلال انتفاضة فلسطين ومقاومة العراق ومقاومة الشعب العربي في الأحواز ضد الاحتلال الإيراني والفرسنة ونضال الشعب في سوريا واليمن والحراك الشعبي في لبنان والسودان والنضال الديموقراطي في البحرين وكل أقطار الوطن العربي، تبدي تفاءلها بمستقبل الأمة التي قال عنها القائد المؤسس بأنها أمة حية وصاحبة رسالة إنسانية خالدة. وأن أمة يستشهد قادتها وهم يتصدرون المسيرة النضالية، وفي مقدمتهم شهيد الحج الأكبر القائد صدام حسين هي أمة جديرة بالحياة.
فتحية لانتفاضة جماهيرنا في فلسطين المحتلة، وتحية لمقاومة العراق وقيادتها وعلى رأسها الرفيق عزة إبراهيم الأمين العام للحزب والقائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني ولثورة شعبه ضد الاحتلال والفساد وتحية لجماهير شعبنا في الأحواز والى نضال الشعب السوري لأجل التغيير الوطني الديموقراطي والى الحراك الشعبي السلمي في السودان ولبنان والبحرين وكل أقطار الوطن العربي.
تحية لشهداء الأمة وعهداً أن تستمر المسيرة النضالية حتى تحقيق أهداف أمتنا في الوحدة والحرية والاشتراكية.
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
منتصف تشرين الأول 2015