تشهد الساحة المحلية البحرينية تطورات متسارعة تنذر بتعميق الأزمة الطاحنة التي عصفت بالبلاد منذ الثالث عشر من مارس 2011، عندما قرر الحكم سلوك الحلول الأمنية والعسكرية في مواجهة الحركة المطلبية السلمية التي انطلقت في الرابع عشر من فبراير 2011، وطمس مبادرة سمو ولي العهد في الحل السياسي والذي وافقت عليها الجمعيات السياسية المعارضة ورحبت بها في نفس اليوم الذي أطلقها، وإطلاق حوار توافق وطني لم يؤدي إلى نتائج مرجوة حيث تم تغييب صوت المعارضة وتحول الحوار في ظل غياب التمثيل الحقيقي للمعارضة فيه إلى أشبه بمؤتمر علاقات عامة ولا يمثل بأي شكل من الأشكال الإرادة الشعبية، وقد أعلنت الجمعيات المعارضة موقفها الرافض للنتائج التي خرج بها هذا الحوار وأعلنته في حينه، وتجدد موقفها الرافض لتسويق نتائجه الآن، والتي لا يمكن لها بأية حال من الأحوال معالجة أصل الأزمة السياسية والدستورية .
ولهذا، فإن الجمعيات السياسية الموقعة على هذا البيان تجدد التأكيد على جملة من القضايا التي طالبت ولا تزال تطالب بها وأهمها:
أولا: أن الأزمة في البحرين هي أزمة سياسية دستورية بامتياز، ومعالجتها تتم بالحلول السياسية الجذرية التي تؤكد على حضارية شعب البحرين وقدرته على تجاوز الأزمات بروح عالية من المسئولية من جميع الأطراف، وان معالجة الأزمة السياسية بحلول أمنية لا يمكن له وضع حد لحالة الاستنزاف التي تعاني منها البلاد على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية.
ثانيا: أن قضية الوحدة الوطنية ووحدة النسيج الاجتماعي هي القضية الأهم التي تناضل وتعمل الجمعيات السياسية للحفاظ عليها، وذلك انطلاقا من الإيمان بان الشعب البحريني بكل انتماءاته الطائفية والمذهبية والعرقية هو شعب واحد يعيش في دولة عربية ذات سيادة ووحدة أراضيها مسألة مقدسة نرفض المساس بها من أي كان، وقد اكد التاريخ ان تنوع المكونات الاجتماعية للشعب البحريني هو سر قوته وعنفوانه، وان المواطنة المتساوية بين كل هذه المكونات تشكل الدرع الواقي لأي محاولات للاختراق الأمني والسياسي والاقتصادي يهدف إلى ضرب الوحدة الوطنية.
ثالثا: إن مبادئ حقوق الإنسان التي تطالب بتطبيقها الجمعيات السياسية المعارضة تنطلق مما جاء في الدستور البحريني الذي تنص المادة (18) منه على "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة"، بينما تنص المادة (19) في الفقرة (ب) على انه "لا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء"، فيما تنص الفقرة (د) من نفس المادة على انه "لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك. كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها"، وتنص المادة (20) في الفقرة (ج) على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقا للقانون".
كما تنطلق الجمعيات السياسية الموقعة على هذا البيان في فهمها لحقوق الإنسان الواجب تطبيقها من مبدأ "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء"، حسب المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه حكومة مملكة البحرين ويتمتع بقوة القوانين المحلية، والذي تشدد فقرتها الأولى من المادة الثانية فيه على "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات (..) دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء"، فيما تنص مادته الخامسة على "لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة".
إن اغلب المبادئ الدستورية والقانونية قد توارت خلف الحلول الأمنية التي تنفذها السلطات على الأرض، حيث الانتهاكات الخطيرة والتي وصلت حتى القتل خارج القانون في السجون وخارجها والاعتقالات والعقوبات الجماعية والأحكام السياسية، هي اكبر من إخفائها أو تجاوزها أو التغطية عليها بحملات العلاقات العامة.
رابعا: إن حرية الرأي والتعبير مصونة في الدستور وميثاق العمل وكافة المواثيق الدولية التي وقعت وصادقت عليها حكومة مملكة البحرين، حيث تنص المادة (23) من الدستور على "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرها، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية"، فيما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته (19) لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود"، وتؤكد الفقرة الأولى من المادة (20) على "لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية".
إن ما يمارسه الإعلام الرسمي والصحف المحسوبة عليه هو تحريض صارخ وتأزيم جلي ضد فئات واسعة من المواطنين وصب الزيت على نار الفتنة الطائفية وازدراء وتخوين للجمعيات السياسية المعارضة.
خامسا: إن الديمقراطية هي الركيزة التي يتوجب على الدولة احترامها وتطبيق مبادئها التي نص عليها الدستور في الفقرة (د) من مادته الأولى التي تنص على إن "نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا"، بينما تنص الفقرة (ه) من نفس المادة على أن "للمواطنين، رجالا ونساء، حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشح، وذلك وفقا لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي بينها القانون، ولا يجوز أن يحرم احد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقا للقانون. ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على هذا الحق، حيث ينص في الفقرة الثالثة من المادة (21) على أن "إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت".
وانطلاقا من هذه المبادئ الأساسية هذه، حرصت الجمعيات السياسية المعارضة على المشاركة الايجابية الفعالة في الحراك السياسي الذي انطلق منذ الرابع عشر من فبراير الماضي وأكدت على إن الحوار الجاد بين المعارضة السياسية بكافة أطيافها وبين الحكم هو السبيل لاجتراح الحلول الناجعة للازمة التي تعصف بالبلاد، وقدمت مرئياتها حول حل الأزمة السياسية والدستورية إلى سمو ولي العهد في الثالث من شهر مارس2011، أي بعد يومين من توجيه سموه خطابا بهذا الخصوص والشروع في الحوار الوطني الذي من شانه وضع خارطة طريق لمستقبل البلاد. وقد تركزت مرئيات الجمعيات السياسية المعارضة في إعلان قبول الحكم بالمبادئ التالية:
1- إلغاء دستور 2002 والدعوة لانتخابات مجلس تأسيسي، ينتخب على أساس تساوي الصوت بين الناخبين، ويقوم بوضع دستور جديد للبلاد.
2- حق الشعب في انتخاب مجلس للنواب ينفرد بكامل الصلاحيات التشريعية، ويكون انتخابه على أساس تساوي الصوت بين المواطنين.
3- حق الشعب في أن تكون له حكومة منتخبة.
4- توفير الضمانات اللازمة لتحقيق التزام الأطراف بالاتفاقيات والتعهدات التي تنتج عن هذه المفاوضات.
وذيلت الجمعيات مرئياتها بضرورة تحديد جدول زمني لا يتجاوز أسبوعين أو ثلاثة للوصول إلى اتفاقات تضع حلولا جذرية للازمات السياسية والدستورية التي تمر بها البلاد وتساهم في استتباب الأمن والشروع في عملية التنمية الديمقراطية الحقة.
كانت الجمعيات السياسية المعارضة من أول الجمعيات التي قدمت مرئياتها إلى سمو ولي العهد، إلا أن تطور الأحداث ووجود رأي ضاغط في الحكم ينزع للحل الأمني والعسكري، حال دون المباشرة في الحوار. فقد تقدم سمو ولي العهد بمبادرة سياسية مهمة في الثالث عشر من مارس 2011، أي بعد عشرة أيام من رفع مرئيات الجمعيات السياسية المعارضة لسموه، وتمثلت مبادرته في:
1- مجلس نواب كامل الصلاحيات
2- حكومة تمثل إرادة الشعب
3- دوائر انتخابية عادلة
4- التجنيس
5- محاربة الفساد المالي والإداري
6- أملاك الدولة
7- معالجة الاحتقان الطائفي.
وبالرغم من ترحيب الجمعيات السياسية المعارضة بمبادرة ولي العهد، إلا أن الحل العسكري والأمني قد وأدها بعد ساعات قليلة من إطلاق سموه، حيث عبرت جسر الملك فهد، في نفس اليوم، طلائع قوات درع الجزيرة مؤذنة بانتهاء الحل السياسي ودخول البحرين في نفق الحل الأمني والعسكري، الذي تم الترويج له من خلال عمليات التحريض السياسي والطائفي مارسها الإعلام الرسمي ممثلا في التلفزيون والإذاعة والصحف المحلية المحسوبة على الجانب الرسمي، ودخلت البلاد مرحلة الدولة الأمنية التي ضمر فيها القانون والمؤسسات، وتجاوزت مرحلة قانون تدابير امن الدولة الذي جثم على البلاد أكثر من خمسة وعشرين عاما في أعقاب حل المجلس الوطني عام 1975.
وبعد أكثر من سبعة أشهر على الأزمة، تدهورت الأوضاع الاقتصادية في البلاد وتراجع النمو الاقتصادي حتى كاد يلامس الصفر، وغادرت العديد من المؤسسات الإقليمية والدولية البلاد أو أغلقت أبوابها، وسجلت سوق الأوراق المالية تراجعا كبيرا أثر بشكل كبير على وضع " البورصة"، وتدنت القدرة الشرائية للمواطن إلى مستويات غير مسبوقة، مما اثر على وضع السوق الداخلي، وتضاعفت نسبة البطالة وتفاقمت أوضاع الناس المعيشية ومعاناتهم النفسية بفعل فصل وتوقيف الآلاف من أبنائهم وإشاعة التمييز الطائفي سلوكا وممارسة يومية في التعامل مع المواطنين ، الأمر الذي أثر على بنية الاستقرار الاجتماعي وثوابته وقيم السلم الأهلي وأخلاقه.
إن الجمعيات السياسية المعارضة الموقعة على هذا البيان تطالب بالتالي:
أولا: التمسك بالوحدة الوطنية الجامعة باعتبارها صمام أمان الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي الذي لا يمكن انجاز التنمية الإنسانية المستدامة في ظل التهديد المستمر بشطر المجتمع إلى طوائف وفئات تناحر بعضها البعض.
ثانيا: الشروع الفوري في الانفراج الأمني والسياسي من خلال الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم على خلفية الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ الرابع عشر من فبراير 2011،
ثالثا: البدء في تطبيق العدالة الانتقالية من خلال إعادة الاعتبار لكل من تضرر من الإجراءات الأمنية والعسكرية في الفترة الماضية وجبر الضرر لضحايا هذه المرحلة من شهداء وجرحى ومعتقلين ومفصولين من العمل وتعويض من تضرر من هذه الإجراءات.
رابعا: إطلاق الحوار الوطني بين الحكم والجمعيات السياسية المعارضة، على أرضية مبادرة سمو ولي العهد التي تتقاطع في اغلب بنودها مع مطالب المعارضة السياسية، وترجمة الحوار على الأرض من خلال عملية جدولة زمنية واضحة.
خامسا: التوقف عن تضليل اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق عبر إغراقها بملفات خارج اختصاصها، وذلك من أجل الوصول إلى نتائج تسهم في إخراج البلاد من أزمتها.
سادسا: وقف التحريض الإعلامي ضد المعارضة السياسية وفئات واسعة من مكونات الشعب البحريني، والتحول إلى تعميق مفاهيم الوحدة الوطنية والتمسك بالتنوع الذي تتمتع به بلادنا.
سابعا: إطلاق حرية الرأي والتعبير والقبول بالرأي والرأي الآخر بما يعزز الوحدة الوطنية ويلجم الانزلاق نحو التناحر الطائفي والمذهبي الذي تسوقه أجهزة الإعلام الرسمية والمحسوبين عليه.
جمعية الوفاق الوطني الإسلامية جمعية التجمع القومي الديمقراطي
جمعية التجمع الوطني الديمقراطي جمعية الإخاء الوطني
جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد"
9 أكتوبر 2011
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.