يستفاد من بيان قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الكويت الشهر الماضي، وتصريحات المسؤولين في الأمانة العامة لدول المجلس أن بنك التنمية الذي اقترحته قطر سوف يكون على شاكلة البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار، كما أن الأمانة العامة قطعت شوطا كبيراً في تأسيسه، حيث تم إعداد دراسة الجدوى، وسبقت مناقشتها في لجنة التعاون المالي والاقتصادي وقد طلبت اللجنة بعض الإيضاحات، وقد حصلت عليها من قطر، ومن ثم سوف تستكمل اللجنة في اجتماعها القادم النظر في هذا المقترح. ووفقا لهذا السياق، يرى مراقبون أن قطر ستكون المرشحة الأولى لاستضافة مقر البنك.
وعلى الرغم من عدم تسرب معلومات كثيرة عن هذا البنك، فإنه يفهم من بيان قمة التعاون المذكور أن مناقشة هذا الموضوع جاءت في إطار تفعيل المادة الخامسة من الاتفاقية الاقتصادية الخاصة بتعزيز بيئة الاستثمار بين دول المجلس والمادة (12) الخاصة بتشجيع إقامة المشاريع المشتركة وزيادة الاستثمارات البينية التي تسهم في تحقيق التكامل بين دول المجلس في جميع المجالات. أيضا وفقا لتصريحات عبد الرحمن العطية، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، فإن بنك التنمية الخليجي المقترح سوف يكون على غرار البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، مضيفاً أن البنك سيقدم تمويلاً لمشاريع إقليمية، كما سيوفر منحاً خارج «مجلس التعاون الخليجي».
وقال العطية: إن دول مجلس التعاون الخليجي فعلت ذلك من قبل بصورة فردية، ولكنها ستفعل ذلك الآن معاً، لافتاً إلى أنه لم يتحدد أي شيء حتى الآن في ما يتعلق برأسمال البنك المقترح، لكن الوزراء سيبحثون ذلك.
يذكر أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تأسس في عام 1991 لمساعدة دول الاتحاد السوفياتي السابق على التحول إلى اقتصاد السوق، وهو يقدم قروضاً إلى الكيانات التجارية، ويسيطر على البنك أكثر من 60 عضواً مساهماً بينهم أعضاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان.
ويندرج البنك تحت مفهوم بنوك التنمية متعددة الأطراف، وهي مؤسسات تقدم الدعم المالي والمشورة المهنية لنشاطات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية.
ويشير اصطلاح «بنوك التنمية المتعددة الأطراف» عادة إلى مجموعة البنك الدولي وإلى أربعة بنوك للتنمية الإقليمية: بنك التنمية الإفريقي وبنك التنمية الآسيوي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير ومجموعة بنك التنمية للدول الأمريكية.
وتتميز هذه البنوك بقاعدة عريضة من الأعضاء، تشمل بلداناً نامية مقترضة وبلداناً مانحة متقدمة. ولا تقتصر عضويتها على بلدان إقليم بذاته أو دول أعضاء البنوك الإقليمية للتنمية. ولكل بنك وضعه القانوني المستقل ونظامه الخاص في إدارة عملياته. ولكن في ظل تمتعهم بالتفويض المماثل واشتراكهم في عدد كبير من البلدان الأعضاء فيما بينهم، تحافظ بنوك التنمية المتعددة الأطراف على مستوى عالٍ من التعاون.
وتقدم بنوك التنمية المتعددة الأطراف التمويل لمشاريع التنمية من خلال قروض طويلة الأجل تمنح بسعر الفائدة في السوق. ولتمويل هذه القروض، تقترض بنوك التنمية المتعددة الأطراف من الأسواق الدولية لرأس المال ثم تعيد إقراض هذه الأموال إلى الحكومات المقترضة في البلدان النامية. كما تقدم قروضاً لأجل طويل جداً (غالبا ما تسمى ائتمانات) بسعر فائدة يقل كثيراً عن سعر الفائدة السائد في السوق. ويتم تمويل هذه القروض من خلال المساهمات المباشرة للحكومات في البلدان المانحة؛ ومنح تمويلية تقدمها بعض بنوك التنمية المتعددة الأطراف، ومعظمها موجه للمساعدات الفنية أو الخدمات الاستشارية أو إعداد المشاريع.
وعلى مدى العام المنصرم لعب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنوك التنمية الإقليمية دورا حيويا في تخفيف وطأة أثر هذه الأزمة في البلدان الفقيرة وذات الدخل المتوسط. فقد كان لبرامج الإقراض أثر نشيط وفي وقته المناسب فوفرت الموارد المطلوبة الماسة وذلك مع تقلص مصادر الدخل الأخرى. وبصورة جماعية زادت بنوك التنمية من أهداف إقراضها بأكثر من 100 مليار دولار مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة المالية فأوفت بالتزامات قطعتها في لندن تزيد على 100 بليون دولار من الموارد المالية الجديدة. ويستفاد من تجارب الكتل الاقتصادية الرئيسية في أمريكا وآسيا وإفريقيا أن جميعها لجأ إلى تأسيس بنوك مماثلة، لعبت دوراً مزدوجاً داخلياً من خلال تقديم القروض الطويلة الأجل لمشاريع البنية التحتية ومشاريع القطاع الخاص، وخارجياً من خلال قروض الدعم الإنمائي للدول النامية.
لذلك، يتفق مراقبون على أن توجهات دول مجلس التعاون لتأسيس مثل هذا البنك تندرج في إطار جهود دولية صميمة، ومتنامية الأهمية، خاصة إزاء مطالبات الدول الصناعية دول المجلس بلعب دور أكبر في جهود إصلاح النظام الاقتصادي والمالي العالمي بعد نشوب الأزمة العالمية الأخيرة.
ومثلما لمح الأمين العام لدول المجلس، فإن دول المجلس بادرت لتقديم الدعم الإنمائي لدول العالم ولكن بصورة منفردة، والمطلوب تنسيق هذا الجهد وتوحيده في إطار البنك المقترح تأسيسه.
ونحن نعتقد أن البنك المقترح يهدف لما هو أبعد من ذلك. فمن المعروف أن العون الإنمائي الخليجي يقدم حاليا بصورة رئيسية من خلال صناديق التمويل الوطنية، وخاصة في السعودية والإمارات والكويت، حيث يقدر حجم العون الإنمائي الخليجي على مدى العقدين الماضيين بنحو 120 مليار دولار للدول النامية. وقد ارتفعت أصوات خلال فترة تراجع الإيرادات النفطية تثير عدة تساؤلات منها ترشيد العون الإنمائي وضمان ذهابه لمشاريع تدعم مبشرة برامج التنمية في البلدان المستلمة بدلا من تبددها في دهاليز الروتين والفساد، ولم تكن الصناديق الخليجية قادرة على تأدية هذا الدور بحكم آليات عملها، ولاعتبارات سياسية، بينما يتوقع أن يلعب البنك المقترح دوراً فاعلاً في مجال ضمان ترشيد العون الإنمائي الخليجي وتنسيق ذهابه لمشاريع تعود بالنفع على البلدان المتسلمة.
جانب آخر من التساؤلات التي اتضحت خلال فترة تراجع الإيرادات النفطية يتعلق بضرورة تنويع مصادر تمويل صناديق الدعم الخليجي نفسها وعدم الاعتماد كلية على الأموال الحكومية الخليجية. أيضا الصناديق الخليجية لم تكن راغبة في ذلك، بينما البنك في حالة تأسيسه يمكن أن يعمل على الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وغيره لتمويل جزء من عملياته. جانب ثالث لأهمية البنك المزمع تأسيسه، هو الدعوات التي برزت خلال الأزمة العالمية بتوجيه جزء من أموال صناديق الثروة الخليجية للاقتصادات الخليجية، إلا أن لا صناديق الثروة ولا الهياكل القائمة قادرة على التحكم في مثل هذه الأنشطة في حالة تنفيذها. لذلك يتوقع أن يتم توجيه جزء من ثروات الصناديق السيادية الخليجية للبنك لكي يقوم بتمويل مشاريع البنية التحتية والدخول في مشاريع مشتركة حيوية ورئيسية مع القطاع الخاص وفقا لتصريحات الأمين العام لدول المجلس.