اسماعيل أبو البندوره
يمكن أن نفهم، ونتفهم، ونرضى شعبيا، وقوميا، بانعقاد القمة العربية في بغداد، لو أنها كانت ستنعقد لادانة الاحتلال الأمريكي – الصهيوني للعراق، وادانة جريمة الابادة الجماعية بحق الشعب العربي في العراق، التي قامت بها قوات الاحتلال، وأتباعهم من العملاء في الداخل.
ويمكن أن نفهم، ونتفهم، ونرضى، بانعقاد القمة العربية في بغداد، لو أنها انعقدت من أجل تكفير النظام الرسمي العربي عن ذنوبه وخطاياه، وتقصيره تجاه أبناء العراق، أو من أجل مباركة انجاز المقاومة العربية الباسلة، التي حققت الانتصار على الأعداء، وطردت قوات الاحتلال، بعد أن تنكر لها هذا النظام الرسمي العربي منذ بداية احتلال العراق عام 2003، وحتى هذه اللحظة.
وكنا سنقبل لو أن القمة اشترطت للانعقاد، طرد قوات المارينز، التي بقيت في الكثير من القواعد الامريكية المقامة، والمتفق عليها مع الحكومة الحالية، في أكثر من مكان من أرض العراق. أو لو أنها اشترطت اعتراف الحكومة العراقية الحالية، بدورها التخريبي في التعاون مع الاحتلال، من خلال ما اطلقوا عليه العملية السياسية، وقبولها أن تكون منفذا لتعليماته وأوامره، وشريكا في التعامل معه لتخريب مستقبل العراق، وتفكيك بنيته العروبية، ومرجعيته القومية، وتحويله الى كيانات، وكانتونات طائفية، واثنية.
وكنا سنقبل لو أن القمة العربية تنعقد في بغداد الآن، للاعلان عن حقبة عربية مغايرة، أو صحوة جديدة في العمل العربي المشترك، والمتمثلة بادراك مايمر به الوطن العربي في المرحلة الراهنة، من تغيرات وتحولات، والاعتراف بدور الجماهير العربية في التغيير، واحترام حضورها الاحتجاجي، والثوري المختلف، ومناقشة المستقبل العربي، على ضوء الحقائق والمعطيات القومية الجديدة، التي ظهرت منذ بدايات العام المنصرم، والتي كان عنوانها الجامع " الشعب يريد اسقاط النظام الرسمي العربي القائم "، والانتصار على التراجع والانحطاط، ومواجهة التحدي الصهيوني.
أما وأن القمة تنعقد قصدا، وعمدا، لتكريس جريمة الاحتلال الصهيوامريكي للعراق، واضفاء شرعية عربية على من تعاونوا مع الاحتلال، ضد وطنهم وشعبهم، واعطاء ضوء أخضر، لهؤلاء للامعان في القبول، بأن يكونوا أداة ضارة، ومسخرة للمشروع الأقليمي الايراني، وغيره من الأطراف الدولية في المرحلة الراهنة، فان ذلك سيكون تتويجا متجددا، لدور عربي تخريبي، وضد قومي، وتفكيكي، تكرّس في الجامعة العربية في العقود الأخيرة، وهو بأن تكون الجامعة، ومؤسساتها، ومؤتمراتها، طريقا، وأداة، للتفكيك، والتفتيت، وتعميق الانقسام العربي، والذي هو عنوان المشروع الاستعماري الكبير المعلن، لاعادة انتاج الاستعمار ومشاريعه بصورة جديدة ومستحدثة.
اننا نسأل : والحكام، كما نقدّر، ذاهبون كما يبدو، أو أنهم بجرعة طارئة من الشجاعة، سيذهبون الى قمة بغداد "على الرغم من موسيقى التفجيرات الصاخبة، ودوي المدافع الهادرة، واهتزاز الأرض في المنطقة الخضراء"، : أية أنفاق معتمة ومغبرّة ستدخلون، وأية مدرعات ومصفحات ستركبون، حتى تصلوا هلعا وارتباكا، الى المنطقة الخضراء؟ وتحت أي فضاء ملبد بالحزن والخوف والدم، والاعتلال، والاختلال، وهدير مدافع المقاومة، ستناقشون مستقبل الأمة؟
وأي نهضة ستشهدون في بغداد "الديموقراطية" المحتلة، والمقسمة بالجدران العازلة، والمزروعة، بالجواسيس، والمتاريس، والشوارع المعتمة، والشناشيل المخلّعة، والباحات القذرة المهجورة، والأشجار المغبّرة الواجفة، والنخيل المقطع الكئيب، والسياب الدامع الحزين؟ أم أنكم تقتم "لعلي بابا"، و الأربعون الذين تعرفون!!
وأي بانوراما باهتة، وقاتمة، وجرداء، سترون، بعد أن غابت عن بغداد شمسها، واحتجب وانكسف قمرها، وغاب عنها رجالها، وفرسانها، وشجعانها، وامتلأت مساحات بانوراما بغداد، بصور الجثث، والأرامل، والأيتام، والمهجرين، والحزانى؟
انكم اذن ذاهبون، لمشاهدة المأساة، والتراجيديا العراقية الحديثة، وصناعها.. انكم ذاهبون للاستمتاع باللطّم وأي لطم.. انكم في الطريق الى كربلاء عراقية كلية وجامعة ومسترسلة، لن ينفع فيها اللطم والبكاء، ولازيارة الاوطان التي تحولت الى مقابر.. ولذا لاتذهبوا ان كان الأمر بيدكم، الا اذا راودتكم، ولو في أحلامكم، أو في لحظة صحو شيطانية (مثل تلك التي راودت القذافي يوما وحذركم بأن الدور سيأتي عليكم واحدا واحدا، وتحققت نبوءته بمجيء هذا الدور!!)، أن تواجهوا جريمة الاحتلال وأعوانه بشجاعة وصدق، وحتى تكون قمة الحقيقة، (ولو لمرة واحدة خلال القرن)، وقمة العرب الثورية في بغداد، أو على الأقل، حتى لاتكون قمة للتواطؤ مع من صنع جريمة الاحتلال، وجريمة من نفّذ وأنشأ أرضية للآحتلال، ويسعى الآن لتكريس ذهنية القابلية للاستعمار واضفاء الشرعية العربية عليها.
بغداد أيها السادة :، وكما قال "عنوانها، وشهيدها، وبوابتها العالية، ورمزها العربي الشهيد المجيد صدام حسين" : بناها العرب.. هكذا كان يقول للعرب عندما كانوا يأتون لبغداد، وبغداد كانت، وستبقى عاصمة العرب والعروبة،والعلم و الايمان، والكتابة والعرفان، مهما تداعى عليها لتغيير هويتها، غربان، ودعاة " شيعستان" و"سنّستان"و"كردستان".. لكن بغداد الآن في لحظة تيه وزوغان، واختلال وانخطاف، واحلال، وابدال، " ويراها "سليماني" الآن " في قبضة اليد، أو تحت اليد الايرانية كما صرح وقال، فض فوه ".. بغداد الآن يخيم عليها الحزن ويعلوها الغبار، والأسى، ولا ترى فيها قمم النخيل، ولا النخيل.. بغداد كما يعرفها أحبابها ، كانت جميلة، وأنيقة، وزاهية في الربيع ونيسان، وراياتها خفاقة في كل الأزمان، ونهرها مدرار – دجلة الخير- وريان، وأرضها خصبة، وعصية على الاعداء، لاتداس ولا تهان، وفيها متسع لكل الأمم، والعرب والعربان.. بغداد الأسيرة والجريحة والمحتلة، تمد يدها الى الأخوال من العرب والأعمام، تعض على جراحها، ويخيم عليها الآن حزن كبير، ويغرس في جوانحها خنجر استعماري – طائفي مسموم خطير، ونهرها الجميل غص بالجثث، والعوار، وفرغت ساحاتها، لا ينعق فيها الا الغراب، والبوم،والأغراب، وهي من فرط الأسى، تلبس السواد،وتعلن الحداد، وتغني بشجى عميق تحية لمقاومتها الباسلة، ورجالها الأبرار الذين صدقوا العهد، وطردوا الغزاة، وحرروا الروح، واستنبتوا الحياة في أرض السواد.
ولذلك فالخوف كل الخوف أيها السادة، أن لاتقوم بغداد، من وجع الجراح والأسى، وظلم ذوي القربى، وسواد الظلامية، والطائفية، والانقسام، والظلام، بواجب العرب كل العرب.. والخوف أن تستقبل بغداد العرب بجراحها، وانجراحاتها، والضيم الذي لحق بها.. والخوف أن لايكون قرار المقاومة الباسلة بنثر البارود، والتراب على من جاء لعقد القمة، في زمن الغمة، أو لنكأ جراحها الملمومة، والملتمة. ورغبة المقاومة العروبية الصادقة والحارة والكامنة " كما أتوقع وأحدس:، أن لايأتي العرب في مثل هذه اللحظة الحرجة المعتمة، والاستثنائية التي تمر بها بغداد،الى أن ينتهي الاحتلال ويطرد تماما من ارض العراق، والى أن يذهب الفرس، ويأتي العرس، وتعود بغداد عاصمة للعرب، لكل العرب، وحتى الأبد!!
شبكة البصرة