بسيوني: وزير الداخلية ورئيس «الأمن الوطني» مسئولان عن التقصير بالتحقيق في التعذيب
أكد أن اللجنة التي أمر بها الملك لا تنفي اللجنة الوطنية التي أوصت بها «تقصي الحقائق»
بسيوني: وزير الداخلية ورئيس «الأمن الوطني» مسئولان عن التقصير بالتحقيق في التعذيب
ضاحية السيف – أماني المسقطي
محمود شريف بسيوني أثناء حديثه إلى «الوسط» – تصوير
: محمد المخرق
حمّل رئيس اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق محمود شريف بسيوني وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الوطني مسئولية التقصير في التحقيق في ادعاءات التعذيب، وأكد في الوقت نفسه توافر المنهجية في عمليات التعذيب في البحرين.
وفي مقابلة أجراها مع «الوسط» بعد يوم من تسليم اللجنة تقريرها النهائي إلى عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ذكر بسيوني أن اللجنة الحكومية التي أعلن عنها جلالة الملك لتنفيذ توصيات التقرير، لا تنفي عمل اللجنة الوطنية التي أوصى التقرير بتشكيلها، والتي تضم ممثلين عن جهات حكومية وأهلية.
كما أكد بسيوني ضرورة أن تتم إعادة النظر في الهيكل التنظيمي الإداري في وزارة الداخلية وأجهزة الأمن لكي تكون هناك متابعة إدارية في الداخل، مشيراً في الوقت نفسه إلى الحاجة إلى استراتيجية كاملة لحل العديد من المشكلات الناتجة عن تداعيات الأحداث الأخيرة، ليس على أعلى المستويات السياسية فقط، وإنما على المستويات التنفيذية والعملية، وهو ما يتطلب وضع خطة لتنفيذ ذلك، على حد تعبيره.
وفيما يأتي نص المقابلة التي أجرتها «الوسط» مع بسيوني:
بعد تسليمكم التقرير النهائي للجنة، هل ستكون هناك أية آلية معينة لمتابعة تنفيذ التوصيات الواردة فيه من قبلكم؟
– ليست هناك آلية للمتابعة من جانبنا وإنما من جانب الحكومة، وجلالة الملك أعلن عن تشكيل لجنة لمتابعة هذه التوصيات، وإذا استدعى الأمر يمكن للجنة المتابعة الاتصال بي لأية مساعدة يحتاجونها.
كيف ترى خطاب جلالة الملك الذي أعقب إعلانكم لتوصيات اللجنة؟
– الخطاب كان إيجابياً، أكد فيه جلالته أن الحكومة ستقوم بعمل اللازم لتنفيذ توصيات اللجنة، ونأمل أن يكون ذلك خطوة بداية لتحقيق التصالح الوطني اللازم، إضافة إلى القيام بتعديلات أخرى لم ترد في عمل اللجنة، وإنما تتعلق بالتعديلات الدستورية والقانونية وغيرها، لكي يستطيع المجتمع البحريني أن يتغلب على المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسببت في ما حدث في شهري فبراير/ شباط ومارس/آذار الماضيين.
البعض يرى أن تشكيل اللجان الحكومية في الغالب لا يحقق أهداف تشكيل هذه اللجان، فهل تعتقدون أن تشكيل لجنة حكومية لتنفيذ توصياتكم من شأنه أن يفي بالغرض؟
– الفكرة ليست بإحالة المشكلات إلى لجان، لأن اللجان في حد ذاتها لا تحل أية مشكلات، ولكن الغرض من هذا هو وضع خطة شاملة خاصة بموضوعات مختلفة، فعلى سبيل المثال، هناك برامج تدريبية تحتاج إليها قوات الأمن والنيابة العامة والقضاء، وبالتالي لابد من وضع هذه البرامج التدريبية، وفي الوقت نفسه لابد أن تكون هناك إعادة نظر في الهيكل التنظيمي الإداري في وزارة الداخلية وأجهزة الأمن لكي تكون هناك متابعة إدارية في الداخل، وهذا يعني أن هناك حاجة إلى استراتيجية كاملة لحل العديد من المشكلات على مستويات مختلفة، ليس على أعلى المستويات السياسية فقط، وإنما على المستويات التنفيذية والعملية، فهذا يتطلب وضع خطة وتوقيت لتنفيذ هذه الخطة.
أغلب التوصيات الواردة في تقريركم أدانت جهات حكومية، فهل تعتقدون أن لجاناً حكومية قادرة على معالجة أخطاء حكومية بصدقية؟، وخصوصاً أنكم أبديتم تحفظكم على آلية التحقيق التي قامت بها جهات حكومية في تداعيات الأحداث الأخيرة؟
– جلالة الملك أشار إلى تنفيذ لجنة حكومية لمتابعة التوصيات، وهذه اللجنة تختلف عن اللجنة الوطنية التي اقترحناها في التقرير والتي تضم ممثلين عن الحكومية وجمعيات سياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وإحداهما لا تنفي أخرى.
ولكن لابد من تشكيل لجنة حكومية لمتابعة العمل الحكومي، ولابد من لجنة وطنية على مستوى أعلى تضم في عضويتها أكبر من عضوية الحكومة لكي تستطيع أن تعطي توجيهاتها العامة، لأن اللجنة الوطنية المراد منها أن تعني بموضوعات حقوق الإنسان ستهتم بأمور تشريعية إضافة إلى الأمور التنفيذية، في حين أن اللجنة الحكومية قد تهتم أساساً بالأمور التنفيذية.
أعلنت قبل بدء عمل اللجنة، أن شكاوى الأفراد ضد أفراد يجب أن تقدم لمراكز الشرطة لا إلى لجنة تقصي الحقائق، ولكنكم في المقابل أشرتم في تقريركم إلى شكاوى مقدمة من أفراد من الطائفة السنية، ألا تعتقد أن ذلك من الممكن أن يعطي التقرير صبغة طائفية؟
– صلاحية اللجنة موجودة في المادة التاسعة من القرار الملكي بتشكيلها، والتي تقول إنه لابد من التحقق والتقصي في أمرين، الأول هو الاعتداءات التي مورست ضد الطائفة السنية، والآخر هو الاعتداءات ضد المغتربين الذين يعملون في البحرين، وعلى ضوء ذلك نظرنا إلى بعض الأحداث التي حدثت في شهري فبراير ومارس، وخصوصاً تلك التي وقعت في دوار اللؤلؤة وجامعة البحرين ومجمع السلمانية الطبي التي تعرض فيها بعض الأشخاص من فئة أخرى للتعدي عليهم.
طالبتم بعدم محاكمة الأشخاص الذين عبروا عن آرائهم السياسية، فما هو موقفكم من قضية الـ 21 من قيادات المعارضة المتهمين بقلب نظام الحكم؟، وألا تعتقد أن قضيتهم تقوم أساساً على حرية التعبير عن الرأي؟
– انتقدنا في عدة أجزاء من التقرير المواد الموجودة في قانون العقوبات وكذلك تطبيقه وهي المواد 165 و168 و179 و180، وهذا الانتقاد وارد في الفصلين الثالث والـ 12 وفصول أخرى من المحاكمات. فنحن كررنا كثيراً تساؤلاتنا، وقلنا إن هذه المواد طُبقت بطريقة تخالف الدستور والاتفاقيات الدولية لأنها متجهة ضد حق التعبير عن الرأي والحرية السياسية.
وفي كثير من الأحوال الاتهامات التي وجهت إلى هذه المجموعة كانت تتضمن اتهامات خاصة بحريات مكفولة في الدستور والاتفاقيات الدولية، والخاصة بحرية التعبير عن الرأي وحرية الاجتماع.
دعوتم لإعادة المحاكمات التي قامت على انتزاع الاعترافات تحت التعذيب، فهل ترون أن مجموعة الـ 21 تندرج ضمن هذه القضايا؟
– من دون شك… وللمحكومين عموماً حق الطعن في الأحكام الصادرة بحقهم أمام محكمة التمييز المدنية.
وكل الاعتراف التي أُخذت تحت ادعاءات التعذيب يجب سحبها من ملف القضايا، وكل هذه الأحكام سيعاد النظر فيها، ويجب أن تتم محاكمة المتهمين فيها من جديد، والمفترض أن النائب العام سحب كل الاعترافات منها والاتهامات الناتجة من المادتين 165 و168 من قانون العقوبات المعنيتين بحرية التعبير عن الرأي.
التقرير أشار إلى ما وصفه بـ «أنماط سلوكية» في التعذيب من قبل جهات حكومية، ألا ترى أن اللجنة استعاضت بهذه العبارة للتعبير عن وجود «تعذيب منهجي» على استحياء؟
– ليس هناك استحياء أبداً، كما أنني استخدمت عبارة التعذيب المنهجي، ومنهجية التعذيب تتم من خلال التدريب على شيء معين تحول إلى جزء من السلوك وتؤيده القيادات، وبالتالي هناك شروط ثلاثة توافرت في التعذيب، وهي المنهجية والسلوك والثقافة، وهذه العوامل تقوي بعضها بعضاً، وهذا ما ذكرناه بكل صراحة في التقرير.
وهل ترى أن هذه الشروط الثلاثة توافرت في عمليات التعذيب التي وقعت في البحرين؟
– نعم توافرت من دون شك…
حملتم عدة جهات حكومية مسئولية التعذيب والاستخدام المفرط للأسلحة، من دون تحديد هذه الجهات أو المسئولين عن اتخاذ هذه القرارات، فلماذا لم يتضمن التقرير إدانة واضحة للأشخاص المسئولين عن ذلك؟
– على العكس، حددنا الجهات الرسمية المسئولية، وهما وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني، ونظرنا في سلوك الجيش.
ومع ذلك لم تدينوا أشخاصاً معينين بجريمة التعذيب أو الاستخدام المفرط للأسلحة…
– نظرنا إلى الجهات المختصة، ووجدنا أن ادعاءات التعذيب من قبل المسجونين في سجن القرين، كانت الادعاءات نفسها أثناء وجودهم لدى جهاز الأمن الوطني، وبالتالي كانت هناك صعوبة في تحديد ما إذا كان التعذيب تم فقط في الأمن الوطني أو في سجن القرين. وفي شهر أبريل/ نيسان الماضي حين علم النائب العام العسكري بشكاوى هؤلاء الأشخاص، رفع هذه الشكاوى إلى القائد الأعلى العسكري، والأخير طلب من النائب العام العسكري تولى مسئولية إدارة هذا السجن، وبحسب أقوال من كانوا موجودين هناك، أنه لم يكن هناك أي سوء استخدام لأية سلطة أو تعسف ضدهم منذ تولى النائب العام العسكري إدارة السجن، وبالتالي حددنا المسئولية في جهاز الأمن الوطني.
هل هناك وزراء مسئولون عن تداعيات الأحداث الأخيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بالتعذيب؟
– المسئولان المعنيان هما وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الوطني، وفي كلا الحالتين قام هذان المسئولان بتحقيقات معينة في داخل السجون وهي غير كافية وغير كاملة، لأنها كانت مجرد تحقيقات مع رجال الأمن في هذه الأجهزة، من دون أن يشمل ذلك التحقيق مع المدنيين أو غيرهم من الشهود خارج هذه السجون. ولا نعتقد أن هذا التحقيق الداخلي من القيادات الداخلية كافٍ لإعطاء هذا التحقيق الحيادية والحرية كما إذا كان هو تحقيق من جهة خارجية، ولذلك طالبنا بإعادة التحقيق.
فالصعوبة في تحديد مسئولية القادة هو أنها مسئولية تقصيرية، بمعنى هل القائد في هذه الحالة قام بدور كافٍ لكي يتحقق من أن تعليمات الوزارة نفذت أو خولفت؟، وهل من يقومون بمراقبة الأفراد كانوا فعلاً يراقبون هؤلاء الأفراد تحت قيادتهم بدقة كافية لمنع هذه الأحداث؟ وبالتالي هناك فرق قانونياً بين المسئولية المباشرة من خلال إعطاء أوامر مباشرة، والمسئولية التقصيرية في عدم القيام بالواجب.
وما هي المسئولية التي يتحملها مسئولو الداخلية والأمن الوطني في هذا الإطار؟
– المسئولية التقصيرية، ولكن ذلك يجب أن يثبت بعد التحقيق.
هل هذا يعني أن التحقيق يجب أن يتم من جهة خارجية؟
– يمكن أن يتم بإشراف جهة بحرينية، فهناك العديد من الشرفاء ومن لديهم الحكمة من البحرينيين.
الحكومة استبقت إعلانكم نتائج تقرير اللجنة لتعلن عن عدد أفراد الأمن المتورطين بالتعذيب بلغوا عشرين رجل أمن، فهل تعتقد أن هذا العدد واقعي بالنسبة لحجم شكاوى التعذيب التي تلقيتموها في اللجنة؟
– تلقينا في اللجنة نحو 600 شكوى، اخترنا منها 300 حالة قد تقع في إطار تعريف التعذيب، من بينها 64 حالة عرضناها على خبراء الطب الشرعي، وكشفنا على 22 حالة منها، وباعتقادي أن هناك ثباتاً للـ 64 حالة التي اخترناها من دون شك، وبشكل قاطع في الـ 22 حالة التي كشف عنها خبراء الطب الشرعي.
وبالتالي، السؤال هو: هل من الممكن أن يقوم عشرون شخصاً فقط بالتعذيب على مدى ثلاثة أشهر وفي أربعة سجون مختلفة؟، لا أعتقد ذلك، وخصوصاً أننا نتحدث عن ثلاثة سجون تحت إشراف الداخلية، وسجن واحد تحت إشراف جهاز الأمن الوطني، وبالتالي عدد الأشخاص الذين اشتركوا في هذه العمليات أكثر من 20 شخصاً.
هل رفعتم إلى الحكومة أسماء من ادعى أصحاب الشكاوى أنهم تعرضوا للتعذيب على أيديهم؟
– معظم أصحاب الشكاوى إن لم يكونوا كلهم، لم يزودونا بمعلومات عن الأسماء إلا في بعض الحالات، لأنه وفقاً لأقوالهم، فإن من كان يقوم بعملية التعذيب هم أشخاص ملثمون، كما أن من تعرضوا للتعذيب كانت أعينهم مغطاة. البعض أورد بعض الأسماء في شكوته، ممن يعتقد أنهم من أصول سورية أو أية جنسية أخرى، إلى أن ذلك لم يكن له سند واقعي.
وهل أطلعتكم الحكومة على هويات رجال الأمن الذين أعلنت تورطهم بعمليات تعذيب؟
– أبلغتنا أن تم التحقيق معهم.
ألم تطلبوا من جهتكم معرفة تفاصيل التحقيق معهم؟
– طلبنا ذلك، وتم إبلاغنا أن تم التحقيق، وأن نتيجة التحقيقات العامة أن وزارة الداخلية ستحقق في 132 حالة تعذيب.
هناك اختلاف بين النسختين العربية والإنجليزية لتقريركم، وخصوصاً في معلومة وردت في التقرير العربي بشأن حمل ما سمي بـ «العلم ذي النقاط الإثني عشر الخاص بالجمهورية الإسلامية الشيعية» في عدد من المواقع التي شهدت احتجاجات في البحرين، وهي المعلومة التي لم ترد في التقرير بنسخته الإنجليزية، فما سبب هذا الاختلاف بين التقريرين؟
– تمت ترجمة التقرير من النسخة الإنجليزية إلى العربية، وكانت الوقت ضيقاً كثيراً، وكانت هناك بعض المشكلات في الترجمة العربية، وسنعيد النظر بشأنها.
هل ستقدمون نسخة من التقرير إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة؟
– الحكومة هي من ستقدم التقرير للمفوضية.
من خلال اطلاعكم على تداعيات الأزمة في البحرين، هل ترون أن حل المشكلة يقتصر على تداعيات أحداث 14 فبراير؟
– لا، فلابد من معالجة المشكلات الأساسية في مرحلة ما قبل 14 فبراير، وما حدث في فبراير ومارس ما هو إلا نتيجة لمشكلات أخرى
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3366 – الجمعة 25 نوفمبر 2011م الموافق 29 ذي الحجة 1432هـ