الحدث الاكبر الذي يستقطب الاهتمام في بريطانيا حاليا، اعلاميا وسياسيا، هو ما اسمي بـ "لجنة شيلكوت" التي من المفروض انها تحقق في مشاركة بريطانيا في غزو واحتلال العراق. اللجنة بدأت اعمالها منذ ايام، وعقدت جلسات استماع علنية لشهادات مسئولين سابقين.
تشكيل هذه اللجنة البريطانية حول العراق وعملها الذي من المفترض ان يستمر لفترة طويلة حتى اصدار تقرير نهائي، يطرح سؤالا جوهريا: هل من المتوقع ان يأتي عمل اللجنة بجديد غير معروف عن جريمة غزو واحتلال العراق ومشاركة بريطانيا فيها؟ وهل هناك جدوى او نتيجة عملية محددة سوف يسفر عنها عملها؟
الاجابة في الحالتين هي : لا. أي ليس متوقعا ان تأتي بجديد لا يعرفه البريطانيون والعالم، وليست هناك قيمة او نتيجة عملية محددة ستنتج عن عملها.
بداية، من المفروض ان اللجنة تحقق وتسعى الى التوصل الى اجابات عن اسئلة من قبيل، لماذا شاركت بريطانيا في غزو واحتلال العراق؟.. هل كان للغزو أي اسس قانونية او شرعية؟.. هل تعمد توني بلير الكذب وخداع الشعب البريطاني في تبريره للغزو وفي تهويله من خطر العراق ؟.. الخ.
وفي كل هذه القضايا، بات العالم كله اليوم يعرف الحقيقة كاملة. العالم بات يعرف ان الغزو كان جريمة حرب تاريخية بلا ظل من شرعية او سند قانوني دولي او غير دولي. والعالم بات يعرف ان بوش وتابعه بلير مارسا اكبر عملية كذب وتضليل وخداع للشعبين الامريكي والبريطاني والعالم بمزاعمهما الملفقة عن الخطر العراقي واسلحة الدمار التي يمتلكها العراق.. وهكذا.
اذن في كل هذه القضايا، ليس متوقعا ان تأتي اللجنة بجديد غير معروف، اللهم الا اضافة بعض التفاصيل هنا او هناك.
واللجنة ليست لجنة تحقيق بالمعنى المفهوم. أي انه ليس من مهامها ان تحدد لائحة اتهام وتحدد المجرمين ومن ثم تدعو الى محاسبتهم. رئيس اللجنة ذكر هذا بوضوح عندما قال انها "لن تبت في مسألة من هو المذنب ومن هو البريء، فهي ليست محكمة قانونية ولا تحاكم احدا". ولجنة ليست مهمتها تحديد ما هو "الذنب" ومن هو "المذنب"، ولا الدعوة لمحاسبة احد، لن تكون بداهة في عملها الا محفلا او منتدى عاما للاستماع الى شهادات واقوال وربما مراجعة بعض الوثائق كي تعد في النهاية تقريرا عاما ليست له قيمة فعلية او قانونية.
وحتى في هذه الحدود الضيقة لعمل اللجنة وصلاحياتها، فهي ليست مطلقة الحرية. فقد كشفت صحيفة "اندبندنت" البريطانية منذ يومين، عن وجود اتفاق مسبق غير معلن بين اللجنة والحكومة البريطانية يعطي للحكومة الكلمة النهائية في شأن المعلومات التي يمكن اطلاع الراي العام عليها. والاتفاق يتضمن تسعة اسباب واسعة يمكن للحكومة ان تحتج بها في رفض اعطاء معلومات او وثائق. وهي اسباب فضفاضة جدا من قبيل "المصلحة العامة والامن القومي والمصالح الاقتصادية والعلاقات الدولية وتعريض حياة افراد للخطر" وما شابه ذلك.
وكما نرى، فإنه رغم هذا التحقيق وكل الضجة المثارة حوله، فإنه يبقى من حق الحكومة البريطانية ان تحجب كل المعلومات والحقائق والوثائق عن اللجنة وعن الرأي العام.
وبالاضافة الى كل هذا، فإن عمل اللجنة كما فهمنا سوف ينصب اساسا على الملابسات المحيطة بقرار بريطانيا المشاركة في الغزو وفي الاحتلال. بعبارة اخرى، فإن اللجنة لن تعطي أي اولوية ولا اهتمام لجرائم الحرب والابادة التي ارتكبتها القوات البريطانية طوال سنوات الاحتلال. ذلك انه على الرغم من انه مفروض نظريا ان اللجنة سوف تحقق في قضية العراق حتى انسحاب القوات البريطانية، وتحديدا خلال الفترة من صيف 2001 الى نهاية يوليو 2009، فإنها فيما يتعلق بفترة الاحتلال لن تستمع الا الى شهادات بعض اسر الجنود البريطانيين الذي شاركوا في الغزو والاحتلال. أي انها لن تهتم ولن تستمع الى صوت العراقيين ضحايا جرائم الاحتلال.
واذا كان الامر هو على هذا النحو، فمن الطبيعي التساؤل: ولماذا تم تشكيل هذه اللجنة اصلا اذن؟ وما هو الهدف من وراء ذلك بالضبط؟
للحديث بقية؟
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.