وطلق الرصاص وتستيقظ على أخبار الاعتقال والجرحى.. في أبريل الماضي هجمت قوات الأمن البحرينية عليهم وهم نيام فالأمن عندنا – كما اللصوص وقطاع الطرق- لا يهجمون إلا ليلاً، ولا يخطفون الناس إلا غدرا.. وليت وزير الداخلية الموقر يخبرني لماذا يصر رجاله على اقتحام المنازل بعد الثانية فجرا.. وكأن نور الشمس يرعب مصاصي الدماء !!
ليلتها.. نامت بدرية لتستيقظ على صوت تكسير بيتها ولم تستعد وعيها إلا وعشرات الملثمين يقتحمون غرف منزلها البسيط ويوجهون رشاشاتهم لرأسها ورأس زوجها المسن.. وفي لحظات مّرت كالدهر رأت أبنها الذي لم يتجاوز عمره الـ17 عاماً بين يدي الملثمين يركلونه ويسحبون رأسه ويضربونه بشكل متكرر بالجدار.. سحبت بدريه ولدها أحمد من قبضتهم، صرخت بهم " ما سووى شيء ولدي.. خلووووه" ولكن الشرطة الذين لا يجيد نصفهم العربية صرخوا بها ودفعوها بوحشيه.. وهم يسحبون ولدها التي كانت الدماء قد لحفت وجهه لحظتها..
****
فتحت بدريه عينيها لتراهم أخذوا أحمد .. أخذوه ولم تستطع ردعهم.. بدأت بدرية في البكاء ليلتها ولم تسكت بعدها.. لازمتها الدموع أسبوعا صامت فيه عن الزاد والكلام ولسان صمتها القول " من للفقراء إن ظلموا.. من للمظلومين إن سحلوا.. من للأم عندما ينتزع مرتزق ابنها ولا تملك من تبُث همها له إلا خالقها" أسئلة مريرة ذاقت كل أمهات المعتقلين كأسها ..
" إن كانوا ضربوه بهذه الوحشية أمامنا.. فكيف سيضربونه إذاً في المعتقل ؟!
هل سيغتصبونه كما هتكوا أعراض رجال وأطفال عدة منعهم العار والخجل من البوح بالجرح الذي لا يبرأ مع الزمن "
هل سيأكلونه أم سيجوعونه ؟ هل سيعود..؟ سيقتل في المعتقل تحت التعذيب -كالعشيري وصقر وفخراوي- ويسلموني أشلائه ؟
..هل سيلفقون له تهمه لا أراه بعدها ؟
أسئلة كانت تحوم في رأسها.. تجلدها كل دقيقه.. تفقدها صوابها..
****
10 أشهر.. 300 يوم..18 ألف ساعة.. قضتها بدرية تندب ابنها.. ترتعد فرائصها كل ليله لفكره أن ابنها يُعذب الآن.. تفكر أن باقي أبناءها سيعتقلون تباعاً.. تنتظر الليل لتقف كالحارس قرب النافذه.. تنتظر غزاه الليل ليختطفوا منها الولد التالي..
أطلق سراح أبنها بعد الأشهر العشرة مع الإبقاء على تهمه "المشاركة في تجمع غير مرخص" لتكون سيفا على رقبته ورقبه عائلته.. عاد أحمد من المعتقل ليرى أن أمه ليست موجودة.. فرغها الحزن من الروح، وسيطر الاكتئاب على عقلها..حتى أن الحفيدة التي كانت تدعو الله بها ليل نهار ولدت وقتها ولكنها لم تحرك في بدريه شعره..
لقد ماتت بدرية قبل أن تموت بزمن طويل.. كانت قد تلاشت كالغبار.. احترقت من الداخل؛ قبل أن يحترق جسدها بزمن طويل ..
****
عندما حرق البوعزيزي نفسه بعد تلقي صفعه من ضابطة توجت تاريخاً طويلاً من الصفعات التي تلقاها البوعزيزي على يد نظام زين العابدين الظالم.. تعاطف معه كل العالم..وثار الشعب طلباً لثأره.. أما في البحرين فتجاهل الناس أمرها وألقى بعض الموالين الشماتة والشتيمة على جرح أهلها المفتوح بلا رحمه كعادتهم- فهؤلاء لا يكتفون بظلم المرء حياً بل يظلمونه حين يموت أيضا !
****
كثيرون " تناقشوا" مؤخراً في موتها وإن كان انتحارا تستحق عليها الخُلد في النار أم فعلاً غير عقلاني لن تتحمل عقوبته ولهؤلاء أقول: إن كنا نحن البشر، ذوي الأنفس القاسية، قد رقّ قلبنا لهذه المغبونة فما بالكم بخالقها الرحيم الرحمن.. ادعوا لها بالرحمة فهي ضحية من ضحايا بطش نظام جائر وغلوائه في الانتقام..
أطلبوا لها الرحمة ولأمهات البحرين بالصبر ولشعب البحرين الصامد المقهور بالنصر.. فما تشهده هذه الأرض من ويلات تهتز له السموات ..
حرر في 15- يناير – 2011