مالك عبدالله
يستقبل المخ الإشارات من كل أعضاء الجسم ومن ثم يصدر أوامره إليها نتيجة لفهمه لتلك الإشارات، فإذا شعر بخطر فإنه يوجه الأوامر لدفع الخطر بالشكل المناسب، ولكن ماذا لو وصلت الصورة والإشارات للمخ بالمقلوب؟ حينها ستكون جميع ردات الفعل بالمقلوب، فالخطر سينقلب إلى أمر مرحّب به، والسلام سيتحول إلى شتم وسب، وهذا هو حالنا بالضبط!
يفهم المسئولون البحرنة والمواطنة بالمقلوب، فيتم إقالة البحرينيين وتوظيف أجانب، ويتم إزاحة البحرينيين عن المناصب وتسليمها للأجانب، كما يوجد لدينا آلاف العاطلين، بينما يوجد في الحكومة نحو 9 آلاف أجنبي يعملون في وظائف متعددة، وتستمر الوزارات في الإعلان عن الوظائف في الخارج، بينما ينتظر البحريني الوظيفة لسنوات، وهذه هي البحرنة… ولكن بالمقلوب!
وتكافؤ الفرص، يعني أن ترى مدير إدارة لم يصل عمره 25 سنة، بينما الموظف الذي يقع تحت مسئوليته تجاوز الأربعين، ولديه الخبرة والمؤهلات الدراسية، فقط لأن الأول ينتمي والثاني لا ينتمي، وهذا هو الأخذ بمبدأ الكفاءة… ولكن بالمقلوب!
وتنتشر صور بالفيديو لاعتداء أشخاص على محلات تجارية، وتظهر أسلحة نارية ولا تصدر غير التصريحات، ولكن فجأة تظهر لنا صور يقال إنهم مطلوبون على خلفية تفجيرات، مع أنهم مازالوا متهمين، ولكن التشهير بهم هو ضمن مبدأ المساواة والعدالة… ولكن بالمقلوب!
ويقتل ويغيب عن الحياة 80 مواطناً وتهدم مساجد، ويظل مجلس النواب صامتاً، بل يساعد في تعميق الشرخ عن طريق المطالبة بإقالة المواطنين من أعمالهم. وتُضرب قرارات المجلس عرض الحائط ويظل صامتاً، لكن بعض أعضائه يخرج فجأة ليعلن أن حرباً أهلية ستقع، ونسي أنه أحد الأسباب لو وقعت مثل هذه الفجيعة، لأدائه الهزيل والصامت عن الفساد، وعدم دفاعه عن المواطن إلا على أسس عرقية وطائفية، ولأنه يفهم الصورة… ولكن بالمقلوب!
ويوصي محمود شريف بسيوني بإعادة بناء المساجد في تقريره الشهير، مع أننا في دولة إسلامية لا يفترض أن ننتظر أحداً يوصينا بإعادة بناء مساجد. وبدل تنفيذ تلك التوصيات تعمد وزارة البلديات إلى هدم بعض المساجد التي قام الأهالي بإعادة بنائها، وهذا هو بالضبط تطبيق التوصية… ولكن بالمقلوب!
وآخر صيحات الحفاظ على الثروة العامة، ومنها السواحل، يتم تحويل ملكية ساحل دمستان إلى ملكية خاصة، وبعد مطالبات وتحركات، ورسائل وخطابات وبيانات، يتم اتخاذ قرار باستملاك الساحل من جديد (يعني الدولة أعطت إياه مجاناً وبتاخذه ببيزات)، ولكن وزارة البلديات التي انشغلت بملاحقة من يقومون بإعادة إعمار المساجد، لم تقم بالاستملاك، بل جاءت لتزيل الألعاب التي وضعها الأهالي، التزاماً بتنفيذ قرار الاستملاك… ولكن بالمقلوب!
وأما صورة وضع مسجد الأمير محمد البربغي التاريخي، فهي حالة عاكسة لكل الصور المقلوبة، فالمسجد الموجود منذ مئات السنين، يبرّر هدمه بملكية الأرض لأحد الأشخاص لم يولد إلا بعد قرون من وفاة الشيخ، إلا أن انقلاب الصورة، جعل من المسجد هو المتعدّي على الأرض!
لا تستغرب! فكل شيء بالمقلوب! تقول له أريد ديمقراطية وإعادة الحقوق ومعاملة الجميع وفق مبدأ المواطنة والكفاءة والمساواة، فتنعكس الصورة للطرف الآخر فيرد عليك: صفوي، عميل أميركي، مؤامرة خارجية، إرهاب وكباب! كل ذلك لأن الصورة لديه بالمقلوب!
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3542 – السبت 19 مايو 2012م الموافق 28 جمادى الآخرة 1433هـ