لم يتوقف سفر وفود رمزية من الجمعيات المهنية، والمؤسسات الرسمية، واللجان الأهلية البحرينية والعربية والدولية الى قطاع غزة لتقديم ما تيسر من الدواء والغذاء والمال سواء الى اللجان المسئولة في القطاع أو الى بعض العوائل المنكوبة إثر العدوان الإسرائيلي على القطاع في 27 ديسمبر الماضي والذي استمر 22 يوما من القصف بالإضافة الى الحصار المفروض على القطاع منذ قرابة عامين. وكان آخر هذه الزيارات هو (وفد اللجنة الأهلية لكسر الحصار على غزة ودعم الشعب الفلسطيني)، وهو أول وفد نسائي يدخل غزة، شارك فيه كل من بدرية علي (رئيسة جمعية مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني) ورولا الصفار (رئيسة جمعية التمريض البحرينية) بالإضافة الى محمود مرهون عضو التجمع القومي الديمقراطي وذلك من 23 الى 29 يناير الماضي.
كما شارك كل من المهندس مسعود الهرمي بتعقيب كونه مشاركا بوفد جمعية المهندسين البحرينية بالإضافة الى تعقيبين الأول من الدكتور نبيل تمام والثاني من الدكتور علي العكري كونهما أول طبيبين بحرينيين يدخلان غزة بعد القصف من معبر رفح مع الوفد الطبي المصري والعربي.
وقد أقام التجمع القومي لقاء معهم جميعا مساء امس الأول بمقره في الزنج، تحدث فيه المشاركون عن تجربتهم الثرية ومشاهداتهم المأسوية لحقيقة ما جرى في غزة، وقد حضراللقاء عدد من المهتمين بالشئون الفلسطينية والحقوقية لدرجة أن غصت بهم قاعة التجمع.
هدف الزيارة
استهلت الحديث بدرية علي (جمعية مقاومة التطبيع)، موضحة أن الهدف الأساسي لزيارة الوفد هو الاطلاع عن كثب على حاجيات أهالي القطاع من خلال تفقد الوضع على المكشوف، وتقديم ما أخذناه معنا من الدواء والغذاء ومبلغ من المال الى الجهات التنسيقية في اللجان الطبية والخدماتية أو من خلال زيارات ميدانية قمنا بها للأهالي في بيوتهم.
وذكرت انه مما لاشك فيه أننا واجهنا صعوبات بدءا بمنعنا من دخول معبر رفح من قبل المسئولين في المعبر ، لكن دورالاستاذ خليل الذوادي (سفير مملكة البحرين في مصر) وقيامه بالاتصال، ساهم كثيرا في تسهيل دخول الوفد الى القطاع لمدة بسيطة لكننا بقينا أكثر بحكم الظروف التي شاهدناها ووددنا متابعتها ، كما أننا لقينا كل الترحيب من قبل الفريق المكلف باستقبال الوفود العربية والأجنبية.
كما أوضحت رولا الصفار (جمعية التمريض) أن سفر الوفد من مطار القاهرة الى معبر رفح كان بالسيارة حيث التقوا هناك (رفح) بوفود من ماليزيا وتركيا والمغرب والسعودية وجنوب أفريقيا، ولم يسمح للوفد البحريني بالدخول، ولذا فضلوا الانتظار حتى صدور الإذن بالدخول في اليوم الثاني.
عرض بالصور
تخلل حديث كل من بدرية ورولا عرض لصور مختلفة بدءا بالوصول الى معبر رفح أو مابعد دخولهم الى القطاع، ومما أثار استغرابهم، هو براءة الأطفال المصريين والذين ساعدوا الوفد في تحميل وشحن الشنط والحاجيات في السيارة، رافضين أخذ الفلوس، قائلين: لا، هذه لأهالي غزة .. كما شاهدوا الوفد التركي المكون من 22 طبيبا ، وشاهدوا 30 سيارة اسعاف، تبرعت بها حكومة المملكة العربية السعودية لنقل الجرحى والمصابين، ولكن تجهيزاتها الطبية تتم في مصر.
زيارات ميدانية
كما تحدث محمود مرهون عن زيارات الوفد داخل القطاع الى كل من عزبة عبد ربه، والمصانع المدمرة، والبيوت والمدارس والمزارع المدمرة ولم تسلم من القصف حتى حظائر البقر والأغنام كما حصل في منطقة جباليا والعطاطرة، دمر فيها 10 آلاف بيت تدميرا كاملا من أصل 20 ألف بيت، والبقية لم تعد صالحة للسكن، كما أن قصف أي بناية يوقعها على الارض بالكامل مما يدل على أن المستهدف ليس هو رجال المقاومة (حماس) بقدر ما هو ضرب الشعب الفلسطيني واستهداف وجوده لإجباره على ترك أرضه.
وتابع في غزة 3900 مصنع للاسمنت والدواجن والغذاء والألبان والنسيج وغيرها ، وقد قصفت العديد من المصانع ومحطات الكهرباء والماء وسيارات كبيرة من دون رحمة لا بها ولا بأصحابها.
وقال، بل رأينا الأفظع من ذلك، وهو عمل ناتج من مخلفات شظايا (إف 16)، مخلفات تزكم الأنوف ثم تنفجر، فتقطع رؤوس وأيدي وأرجل المواطنين الأبرياء.
وروى قصة غريبة تعبر عن مدى بشاعة الاحتلال الإسرائيلي: حين شاهدوا سيدة كبيرة في العمر، جمعت أطراف (أشلاء) المصابين والشهداء على بعضها، وجلست بالقرب منهم ، فسألوها : لماذا تفعلين ذلك؟ فقالت: "يا ولدي لا تجزع، أعمل ذلك لأسهل على القادمين من الأهالي تجميع أطراف الجثث لتكون جاهزة لنقلها ودفنها بصورة أسرع، يا ولدي!".
كما ذكرأن الجنود الإسرائيليين حين يقتحمون منزلا فلسطينيا يقومون بسرقة المنزل، ويكسرون أثاثه ، ويكتبون: "نحن عائدون"، مما يوضح مدى العنجهية والهمجية لديهم.
جريمة الجرافات
وتابع، جرفت الجرافات حين دخلت الدبابات القطاع قرابة 85 بالمائة من الأراضي الزراعية، فيما ذكر صاحب مزرعة أن القطاع يصدر سنويا 200 ألف طن من الحمضيات الى مصر عبر رفح، وبعد الهجوم على غزة لم يتبق سوى 10 آلاف طن فقط! وهكذا مسلسل المآسي يستمر لدرجة أنهم شاهدوا مجمع الوزارات مدمرا ، ورغم هذه المشاهد المأساوية ، جلس رجل عجوز أمام منزله بعد القصف، مصرا على البقاء وغير آبه بدوي الطائرات وانين القصف.. وكم كان عظيما ان يشاهدوا امرأة استشهد زوجها ولديها أربعة أطفال صامدة من جهة، لا تمد يدها للمعونة، فمن أين، وكيف تعيلهم؟ وتساءل: أليس هذه القصص تعبر عن مأساة حقيقية لشعب يعيش تحت وابل القصف والحصار؟
مشاهد متناقضة
وعلى الطرف النقيض للحرب والمأساة، تتجلى صورة أخرى ، روتها رولا الصفار ، حيث قالت : كنت أقدم (الشيكولاتة) للأطفال، فيرفض الأطفال أخذها ، ولا يقبلونها إلا بعد إلحاح منها او بتدخل من شاب أكبرهم سنا بإشارة منه! ومستشفى العودة يشهد 40 حالة ولادة في اليوم في ظل القصف، وفي مدرسة الفاخورة سقط 11 شهيدا و25 جريحا وهكذا الحال بالنسبة الى المدرسة الأمريكية سقط المدرسون الأجانب مع الفلسطينيين شهداء.
ونفس المأساة تتكرر في مستشفى النصيرات حيث قام الوفد بزيارته ، وشاهدوا طفلة مات أهلها جراء القصف على منزل عائلتها ومنزل جيرانها الذين توفوا جميعا، ورغم هذه الأجواء الحزينة، كان للجمعيات الأهلية في المستشفيات دور في ترديد الأطفال الذين يعينونهم أنشودة "أنا الطفل الفلسطيني من حقي أن أعيش وأتعلم كباقي أطفال العالم".
أخبار الخليج العدد 11275 – الاربعاء 4 فبراير 2009