د / علي محمد فخرو
تكثر الكتابات والأحاديث حول المخاطر التي يواجهها مجلس التعاون الخليجي، وحول الإشكالات الإقليمية والعربية التي يجد المجلس نفسه منغمساً في أتونها وتعقيداتها ومسؤولياتها . وفي المدة الأخيرة كثر اللغط حول التجاذبات في داخل المجلس بصور حادة وخطرة .
إذاً فالمجلس أمام تحديات ثقيلة في الحاضر والمستقبل القريب تستوجب المراجعة الموضوعية لمسيرته من
جهة وتستوجب النظر في أفكار وخطوات قد تسهم في جعل المجلس أكثر قابلية وقوة لمواجهة الأخطار والتحديات .
في اعتقادي أن النقاط التالية تستحق النظر فيها بشجاعة وصدق، إذ إن بعضها نقاط مفصلية .
* أولاً – لا يشعر الإنسان بأن متخذي ومنفّذي قرارات المجلس يعطون أهمية لعامل الوقت . لقد ترسخت منذ قيام المجلس مقولة تنادي بأن تكون مسيرة المجلس نحو أهدافه حذرة، ومن ثمَ بطيئة، حتى لا تفشل تجربة المجلس مثلما فشلت غيرها من التجارب العربية الأخرى .
هذا المنطق يمكن التعايش معه لو كان عامل الوقت ملكنا نتحكم في سرعته أو في بطئه من دون أن ندفع ثمناً باهظاً لقرارات التعامل معه . لكنه مرتبط بما يفعل به الغير من جهة وبالظروف المحيطة بنا من جهة أخرى .
فإذا كان أعداء الأمة العربية، وبالتالي أعداء شعوب المجلس، يتحركون بصورة مذهلة نحو تمزيق وتفتيت وطننا الكبير فهل يجوز أن يسير المجلس نحو هدفه الرئيسي الذي نص عليه نظامه الأساسي، وهو وحدة دول المجلس، أن يسير نحوه بالبطء الشديد الحذر الذي سار عليه المجلس طوال الثلاثين سنة الماضية؟ ألا يرى المجلس أن ما يحيط به من أخطار من قبل قوى إقليمية، وعلى الأخص العدو الصهيوني المتربص الطامع في أن يكون القائد المهيمن في الاقتصاد والتكنولوجيا والمعرفة، ومن قوى دولية، هي الأخرى طامعة في ثروات المجلس البترولية وأسواقه وسيولة أمواله، أن تلك الأخطار تستدعي الإسراع في خطوات وحدته الاقتصادية والأمنية والسياسية؟
* ثانياً – ترتبط حقبة البترول بعامل الوقت أيضاً، إذ إنها ثروة في طريقها إلى النّضوب مع مرور الوقت . فهل تعي دول المجلس أن عائدات هذه الثروة لدولها الست، والتي تقترب من التريليون دولار سنوياً، هي فرصة تاريخية إن ضاعت فإنها لن تعود؟
إنها فرصة تاريخية لبناء تنمية إنسانية شاملة في مجتمعاتها، ولمساعدة بقية أجزاء وطننا العربي الكبير في بناء تنمية مماثلة . إن الاستعمال العاقل المتزن لتلك الثروات يستطيع بناء اقتصاد إنتاجي ومعرفي قادر على حل مشكلات البطالة والفقر، وإقامة أنظمة تربوية وتعليمية وصحية وثقافية تخرج إنسان المجلس، وإلى حد معقول إنسان الأرض العربية، من الجهل والمرض والتخلف الحضاري .
لكن دول المجلس مع الأسف تتعامل مع هذه الثروة وكأنها لن تنفد قط . من هنا مظاهر الاستهلاك النهم والاستثمار في حقول غير منتجة وعلى الأغلب ستكون مؤقتة .
ثالثاً – يشعر الإنسان بأن المجلس غير معني بهوية شعوبه وبلدانه . وإلا فلا يستطيع الإنسان أن يفهم عدم وجود سياسة واحدة، على أسس مشتركة، بالنسبة لنوع ومصدر العمالة المستوردة للعمل في دول المجلس . ولا حاجة هنا لإعادة ماقيل وماكتب بشأن اللجوء إلى العمالة غير العربية التي تزداد أعدادها بسرعة مذهلة إذا قيست بالنسبة لأعداد العمالة الوطنية والعمالة العربية .
لقد ترك المجلس هذا الموضوع لكل دولة لتتصرف حسبما تشاء، في حين أن هناك حاجة لمعايير وضوابط تأخذ بعين الاعتبار ما تحمله تلك الزيادات غير العربية من أخطار حقيقية على هوية المنطقة العربية وعلى تركيبة مجتمعاتها الاجتماعية والأمنية والثقافية .
وموضوع فقدان الهوية ينطبق في مجال آخر، على مجال التعليم في المدارس الخاصة . فهناك دلائل متزايدة بأن نسبة كبيرة من خريجي تلك المدارس من بين المواطنين تعاني ضعفاً شديداً في قدراتها اللغوية العربية . وهو موضوع أخطر من أن يترك لكل دولة لتعالجه بطريقتها الخاصة . إنه يحتاج لعلاج مشترك من أجل الحفاظ على هويات الفرد والمجتمع العروبية التي إن ضعفت أدت إلى موت الثقافة العربية التدريجي .
رابعاً – هناك عدة مواضيع تنظيمية تحتاج إلى حسم بالنسبة لها، منها موضوع التنازل عن جزء من السيادة الوطنية لكل دولة من أجل السيادة المشتركة . إن أحد أسباب الخلافات والصراعات في داخل المجلس هو تصرف البعض من منطلقات السيادة والمصلحة الوطنية الكاملة من دون مراعاة لمصلحة الآخرين وللسيادة المشتركة .
ومنها توسعة المجلس لحلً إشكالية العمالة المستوردة من جهة وحلً بعض الجوانب الأمنية من جهة أخرى .
ومنها وجود مجلس لرؤساء الوزارات وتعيين وزير لشؤون مجلس التعاون في كل مجلس وزراء .
هناك تفاصيل أخرى كثيرة لا يسمح المجال للدخول فيها .
لقد آن الأوان لأن ينتقل المجلس من التركيز على الفروع إلى التركيز على الاستراتيجيات الكبرى وعلى حلُ قضاياه المفصلية .
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.