حسن المدحوب
بعد حوالي 20 يوماً من الآن، يحتفي البحرينيون كما كل شعوب الدنيا، باليوم العالمي لضحايا التعذيب الذي يصادف 26 من يونيو/ حزيران من كل عام، غير أن ما تشهده البلاد من انتهاكات مستمرة يجعلنا نتعجل أن نقترح الاحتفاء مبكراً بيوم بحريني خاص لضحايا التعذيب.
هذا اليوم البحريني إذا خُصّص سيكون حتماً ذا مذاقٍ خاصٍ على كل جهتين، المعذَّبين (بفتح الذال)، والمعذِّبين (بكسرها)، فالفظاعات التي حدثت يندى لها جبين كل شريف، بل كل ذي حس إنساني على هذه الأرض. فلدينا ثلاثة أنفس أزهقت في داخل المعتقل خلال الأزمة التي مرت بها البلاد منذ فبراير/ شباط 2011، ولدينا عشرات الحالات من الانتهاكات التي وقعت داخل المعتقلات وخارجها، ولم يراع فيها قيم ولا دين ولا شرف، حيث يتألم الإنسان لها عندما يقرأ عنها ليس في إعلام المعارضة فحسب، بل في عشرات الصفحات من تقرير اللجنة المستقلة التي رأسها البروفسور محمود شريف بسيوني.
حالات التعذيب التي مورست في البحرين خلال هذه الأزمة، ليست سراً ولا ادعاء، ومهما كتب عنها، فلا أحد يشعر بمرارتها إلا الذين عاشوا أيامها ولياليها الطوال، وإن كان بعضها هدفاً لانتزاع اعترافات، فإن حالات كثراً كان هدفها التشفي وتفريغ شحنات الكراهية التي وقع ضحاياها مواطنون بحرينيون، جلهم كان سبب معاناتهم تعبيرهم عن آرائهم في الوصول إلى دولة تسود فيها قيم العدالة والديمقراطية والمواطنة المتساوية.
هؤلاء المعذََّبون، يستحقون أن تُدوّن شهاداتهم، ونعلم أنها قد تملأ مجلدات، فلعل التاريخ ينصفهم، فأي جرم مهما بلغ عظمه، لا يستحق أن يتسبب في نزع إنسانية الإنسان، وانتهاك كرامته، والتشفي منه.
نريد هذا اليوم ليسترجع هؤلاء سيل تلك الذكريات، فيتذكروا كيف عُذّبوا وتألموا وعانَوا، ويتذكر معهم البحرينيون تلك الجراحات التي لم تبرأ بعد، ويتذكر الجميع إن الدعاوى المتكررة لإنصاف هؤلاء، لم تأتِ رغبةً في الحصول على تعويض مادي، فعذاباتهم أغلى وأثمن من أن تعوّض بالمال وإن كثر، فما ينشده هؤلاء هو أن تسكن آلام أنفسهم وأرواحهم أكثر من أجسامهم المنهكة.
نعم، إنسانياً، هؤلاء المعذَّبون يستحقون أن يتم إنصافهم، والاعتذار لهم ولأسرهم التي عاشت كل مراراتهم وآلامهم، فكل أمٍ قطعاً كانت تئنّ كل ليلة مع أنين ابنها المعذب، وكل زوجة وطفلة لم تجد إلا الدموع لتبثها حزناً على زوج أو أب طالته أيدي زوار الفجر لتتلذذ به غنيمةً تمارس عليه صنوف الانتهاكات.
كذلك، فإن تخصيص يوم بحريني لضحايا التعذيب، فرصةٌ لنسأل كل المعذِّبين (بكسر الذال)، عن إنسانيتهم المفقودة، وعن ضميرهم أين كان حينما كانوا يمارسون أبشع الانتهاكات على أناس ذنبهم أنهم يحلمون بوطن حر وشعب سعيد.
هذا اليوم هو فرصةٌ سانحةٌ، لنسأل الجلادين، عن وقع صرخات وآلام المعذَّبين على أسماعهم، وعن الكلمات التي يستقبلونهم أو يودعونهم بها، وعن شعورهم الغائب!
نريد هذا اليوم، لنهديهم صوراً حفرتها أيديهم على أجساد من مورست ضدهم الانتهاكات، فخلقت لوحات تراجيدية المعالم، لعلها تعيد لهم إنسانيتهم ورشدهم عندما يخلدون للنوم أو التفكر، فتذكّرهم بأن أرواح وكرامة الناس لم تخلق ليعبث بها الإنسان في لحظة انتشاء أو قوة.