د/يوسف مكي
كان وعد بلفور هو جواز العبور، لهجرات يهودية مكثفة لأرض فلسطين، ووجهت منذ البداية برفض عنيف، ولكنه عفوي وغير منظم من قبل السكان الأصليين . فالوجاهات الفلسطينية، في حالة عجز تام عن قيادة النضال الفلسطيني . وأثناء حقبة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، كان التطاحن بينها مكشوفاً، على سلطة، أبانت كل المؤشرات، أن هذه القوى في طريقها إلى الأفول .
ولعل فشل ثورة 1936 هو نقطة التحول الرئيسية، في أفول الوجاهات القديمة، وترك فراغ كبير في الحياة السياسية، ترك بصمات كثيبة وثقيلة على مجرى النضال الفلسطيني في السنوات اللاحقة . والنتيجة الجلية أن الضحية لهذه الصراعات المحلية، والمواقف الدولية المهادنة، هو الشعب الفلسطيني .
في أجواء العجز الفلسطيني، عن مواجهة الهجرة اليهودية، وإفلاس الخزينة البريطانية، وتراجع دور الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس سياسياً، بعد الحرب العالمية الثانية، أبلغ البريطانيون هيئة الأمم المتحدة بنواياهم إنهاء انتدابهم على فلسطين، وانسحاب إدارتهم منها .
وبناء على طلب بريطاني، وفي محاولة لوضع حد لحالة الفوضى والاقتتال بين المهاجرين الجدد والسكان الأصليين، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً، صدر على إثره القرار 181 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني ،1947 أوصى بتقسيم فلسطين لدولتين، بمساحة متساوية، عربية و"إسرائيلية"، ووضع مدينة القدس والبلدات المحيطة بها، تحت وصاية دولية .
رفض العرب قرار التقسيم، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار الحقائق التاريخية، التي تؤكد وجود الفلسطينيين على أرضهم لأكثر من ألفي عام في سلسلة ممتدة من غير انقطاع . وأيضاً لأن اليهود الذين يحملون جوازات سفر الانتداب، قبل إصدار قرار التقسيم لم يتجاوزوا السبعة في المئة من سكان فلسطين، وفقاً لإحصائية الأمم المتحدة . ورفض العرب أيضاً، القرار باعتباره عدواناً على الأمة العربية وتهديداً لأمنها القومي . لكن هذا الرفض، لم يعزز باستراتيجية كفاحية عملية لمواجهة مشروع التقسيم .
لم تفتقر القضية الفلسطينية للقوة النضالية، ولكنها افتقرت إلى القيادة والتخطيط الصائب . تتحول التضحيات والانتصارات العسكرية، إلى أوراق رخيصة على طاولة المفاوضات . ينتصر السلاح والحجارة، وتعجز السياسة . وتتكرر المشاهد ذاتها من عبور أكتوبر/تشرين الأول ،1973 إلى انتفاضة أطفال الحجارة، وحتى انتفاضة الأقصى، رجال شجعان يقتحمون طرق الموت، ويستبسلون في الدفاع عن العرض والشرف والثوابت، وساسة فاشلون يفرطون في أنواط الشجاعة . وعدو شرس، لا يقيم أي اعتبار لشرعة الأمم ولا لحقوق الإنسان، فيقيم مستوطناته على جماجم الشهداء، ويستولي من دون رادع كل يوم على المزيد من الأرض، في ظل عجز فلسطيني وعربي عن التصدي لغطرسته .
لن نتجاوز العجز عن تحرير فلسطين، إلا حين نتجاوز المتقابلات بين العدمية والتفريط، التي تحكم العقل السياسي الفلسطيني . فإما المقاومة المسلحة، أو العمل السياسي، في حين أن كليهما في السياسة شيء واحد .فليس هناك عمل مقاوم من غير هدف سياسي . والحرب في أحد تعريفاتها هي تفاوض سياسي، في مرحلة عليا، يستخدم فيها السلاح، من قبل طرف أو أكثر بهدف الوصول إلى نقطة، تجعل من التوصل إلى التسوية أمراً لا مفر منه .
لن يكون بالمقدور تجاوز الأزمة، وتحقيق الحلم الفلسطيني في الدولة المستقلة، كاملة السيادة، إلا بقيادة تملك من الوعي والقدرة والإرادة، ما يمكنها من صياغة استراتيجية، عملية تستعيد بموجبها الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتزاوج بين كل عناصر المقاومة، وتنتصر لمبدأ حق تقرير المصير .
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.