قاسم حسين
كنت أتابع وقائع افتتاح أولمبياد لندن مساء الجمعة بعينٍ، وأتابع «التويتر» بالعين الأخرى، فهو القناة السريعة التي تعرّفنا على اتجاه الرأي العام بتعليقاته العفوية والتلقائية.
بعد قليلٍ من دخول الوفد البحريني الملعب، انتشرت صور وأسماء الأعضاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تمض دقائق حتى بدأت التغريدات. فهو أول وفدٍ أولمبي يتكوّن أغلب أعضائه من غير مواطني الدولة، وأول وفدٍ عربي يتكوّن أغلب أعضائه من دول إفريقية غير عربية.
ما حصل إنما هو استمرارٌ لسياسة لا تلقى توافقاً ولا قبولاً شعبياً. ومهما اختلف البحرينيون بشأن القضايا المختلفة، إلا أنهم يجمعون على معارضة هذه السياسة، لإدراكهم أنها تؤدي إلى تحميل البلد أثقالاً، وتنهك ناسه، وتستنزف اقتصاده، وتلقي عليه مزيداً من الأعباء.
لو تهيأ لباحث اجتماعي أن يدرس الوضع البحريني، لانتهى إلى حقيقة أن موضوع التجنيس من أكثر المواضيع إثارة للاعتراض والجدل خلال الأعوام العشرة الأخيرة. آلاف المقالات كتبت في الصحافة ضد هذا التوجه، وأضعاف ذلك من التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الشعبية والإلكترونية، والنتيجة إرسال وفدٍ أغلب أعضائه من جنسيات أفريقية، تم توظيفهم لتمثيل البحرين التي لم تشكُ يوماً من قلة الكفاءات والكوادر الوطنية، ولم تعانِ قط من قلة المبدعين.
البحرين أول بلد نظّم دورة كأس الخليج لكرة القدم، ويتمتع بشعب متجانس، وأندية رياضية تمتد أعمارها لأكثر من ثمانين عاماً، ثم نعجز عن تشكيل وفد من عشرة مواطنين ليمثلونا في الألعاب الفردية؟!
بلد يزخر بأسماء تاريخية مثل عدنان أيوب وبوشقر وزليخ وشويعر وبولمعة وسالمين والماس، وبدل اعتماد سياسة الاستثمار في العناصر الوطنية لتحقيق الإنجازات وحصد الميداليات، نستورد رياضيين من دول أجنبية ليمثّلونا في الأولمبياد!
في مناسبات سابقة، انتقدنا وانتقد الكثيرون هذا التوجه الذي يأتي على حساب الرياضة والرياضيين البحرينيين، ويلجأ الطرف الآخر إلى تبرير ذلك بتجارب دول أخرى مجاورة، يعاني بعضها من نقص شديد في عدد السكان، ويلجأ أحياناً إلى الاستشهاد بتجارب دول بعيدة غنية، لا تعاني أصلاً من عقدة المواطن، وتضع كل سياساتها من أجل خدمته، فهو محور التنمية وهدفها، فعلاً وصدقاً، بينما تتباهى الجهات الحكومية اليوم بالتخلي عن سياسة «البحرنة»، التي توفر الحد الأدنى لحماية العمالة الوطنية بعد ثلاثين عاماً من تبنيها!
إن أكثر ما يستفز الضمير البحريني في أولمبياد لندن، أن يغيب العنصر البحريني عن تمثيل بلاده وتحل مكانه عناصر أجنبية من دول أخرى، كأن هذا البلد لم يكن ولاَّداً، وكأن نساءه عقمن عن إنجاب النجباء والناجحين.
قبل سنوات، وحين واجه التجنيس الرياضي معارضة شديدة من مختلف قطاعات الشعب، تم اللجوء إلى استبدال أسماء الرياضيين الأفارقة إلى أسماء عربية، في عملية مضحكة لخداع الذات. وفي لندن تم إلباس ثوب النشل البحريني عدّاءاتٍ من دول أخرى، جيء بهن لتمثيل البحرين في الأولمبياد!
ليس لدى البحرينيين عقدة من الأجانب، فقد تعايشوا مع أجيال متعاقبة من المهاجرين، وأصبح الكثير منهم جزءًا لا يتجزأ من النسيج البحريني، حيث نفخر بهذه التجربة من التعايش الإنساني. لكن ما يجري أمرٌ مختلف تماماً، فهو استهانةٌ بذكاء الشعب وقدراته، وتزويرٌ لإرادته، واستخفاف بهويته التاريخية.