هاني الفردان
منذ العام 2011، وقبل انطلاق ما سُمّي في ذلك الوقت بـ«حوار التوافق الوطني» (الحوار الأول) كانت جميع التصريحات الرسمية، لا حديث لها إلا عن أنه «لا يمكن أن يكون هناك حل في البحرين إلا من خلال التوافق الوطني بين جميع مكونات الشعب».
والحكومة والوزراء، وحتى صغار المسئولين والأقلام والموالاة، لا يتحدثون إلا عن مفهوم «التوافق» الذي لم يفهمه أحد. وحتى المتحدثة الرسمية باسم الحكومة صرحت كثيراً، ومن بين تلك التصريحات ما نشر في صحيفة «الشرق الأوسط» (10 يناير/ كانون الثاني 2014) عندما أكّدت «أنه لا حل آخر في البحرين إلا بالحوار والتوافق»، مشدّدةً على أنه «لدى الأطراف البحرينية خلافات يمكن حلها بالتوافق وعبر طاولة الحوار، ولا شيء غير ذلك». أي لا شيء غير «التوافق»!
بالطبع كانت جمعية الوفاق المحور الرئيسي في قطب جمعيات المعارضة، وكانت دينامو تلك الحوارات، وكانت محور ارتكاز جملة اللقاءات المحدودة التي عقدتها السلطة مع قيادات المعارضة وعلى رأسهم الأمين العام لجمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان الذي يتهم حالياً بـ«محاولة قلب نظام الحكم بالقوة، وتهديد الدولة بالقوة العسكرية والاستقواء بالخارج»!
في (15 يناير 2014) انقلب المزاج السياسي في البحرين مع الإعلان عن التقاء ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة مع وفد جمعية الوفاق المعارضة برئاسة الشيخ علي سلمان، وهو ما اعتبرته الأوساط الدولية «تنشيطاً لعملية الحوار السياسي» قبل ذلك اللقاء بشهر.
في بيان صحافي صدر عن مكتب المتحدث الرسمي باسم مملكة البحرين عن ذلك اللقاء أكد فيه أن «الديوان الملكي سيقوم بتنسيق لقاءات ثنائية مع أطراف الحوار ابتداءً من الأسبوع المقبل، وذلك لضمان تقديم الرؤية السليمة لكل طرف، وتجسيداً للإرادة الملكية الصادقة في لمِّ شمل المجتمع البحريني وصون وحدة صفه».
مثل ذلك اللقاء بين ولي العهد والمعارضة بصورة علنية ورسمية نقلة نوعية، وقد حدث لأول مرة منذ توقف هذا النوع من اللقاءات في مارس/ آذار 2011، قبيل إعلان حالة السلامة الوطنية.
لا أعتقد أبداً أن سمو ولي العهد عقد ذلك اللقاء، وجلس ليبحث الوضع السياسي في هذا الوطن مع شخص يرى أنه يسعى إلى «قلب نظام الحكم ويهدد الدولة بالقوة العسكرية ويستقوي بالخارج»، على حد الاتهامات التي تساق حالياً ضد أمين عام جمعية الوفاق.
بعد فشل كل محاولات «الحوار» السابقة لأسباب يعرفها الجميع، ولسنا في وارد تكرارها، دخلنا مرحلة جديدة، مع قرب الانتخابات النيابية في البلاد، وإعلان المعارضة مقاطعتها.
يوم الثلثاء 17 سبتمبر/ أيلول 2014 أعلن عن لقاء جمع ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، بقصر الرفاع بعددٍ من الأعيان وشخصيات المجتمع، وتناول اللقاء ما تحقق من خلال تفعيل المشاركة الشعبية واستمراراً للأخذ بمنهج التوافق، فقد تم إطلاع الأعيان وشخصيات المجتمع وأخذ رأيهم حول ما تم التوصل إليه بالمحور السياسي في استكمال حوار التوافق الوطني، والمتضمن إطاراً واضحاً يمثل قاسماً مشتركاً بين جميع الأطراف المشاركة.
رغم كل التصريحات الرسمية السابقة عن أن «التوافق الوطني ليس خيار اللحظة بل هو تاريخ من العمل الوطني، وهو إيمان وقناعة راسخة… إنه سبيل القوة والتقدم (…)»، و«التوافق الوطني هو القاعدة الأساس والضمانة لأي تطوير مستدام» (وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة في الرابع من فبراير/ شباط 2013)، فقد شهدنا مرحلة جديدة، تنقض الحديث عن «التوافق الوطني» ونقلتنا إلى الحديث عن «القواسم المشتركة»، وبعد الانتخابات النيابية ومقاطعة المعارضة، وما نتج عنها من مخرجات، نسي كل ذلك الحديث، فلا حديث حالياً عن «توافقات» ولا حتى عن «قواسم مشتركة»، ودخلنا مرحلة أمنية جديدة.
بدا واضحاً أن لغة «التوافق» التي كانت السلطة متمسكة بها منذ العام 2011 بين مكونات المجتمع، تبدّلت إلى لغة جديدة بعنوان آخر، وهو «القواسم المشتركة»، وذلك بعد أن فشلت القوى السياسية المتحاورة على مدى ثلاثة أعوام من «التوافق» على صيغة حل معين يخرج البلد من أزمته الخانقة.
في 19 سبتمبر 2014 عرض مشروع قيل إنه يحمل حلاً للأزمة السياسية في البحرين، بناءً على لقاء الأعيان و«القواسم المشتركة» بعيداً عن أي توافق سياسية مع المعارضة، وحتى ذلك الحل دخل في عالم النسيان، فمنذ ذلك اليوم وحتى الآن لم يتحدث عنه أحد.
في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2014، ومع اعتقال الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، ربما نحن مقبلون على مرحلة أخرى مغايرة جداً، وهي مرحلة «كسر عظم» بين السلطة والمعارضة، كما جرى في مصر، حين زجت السلطة المصرية، بكل قيادات وكوادر جماعة الاخوان في السجن، إلا أنها لم تنهِ الأزمة في مصر بل أدخلتها في تعقيدات أشد وأعمق.