أحد المظاهر المؤسفة للبعض أنه أغرق نفسه وتفكيره في أوهام، وراح يختلق قصصاً ومصطلحات لتسويق أفكار خارجة عن إطار الوطن… بل إن البعض يتحدث ويكتب عن طائفة، وإن هذه الطائفة تمثل الدولة، وآخر يقول إن تلك الطائفة تمثل الشعب. هذا الضياع سببه غياب الذاكرة الوطنية لدى جماعات وجدت في الوضع غير الطبيعي الذي نمر به فرصة لاقتناص ما يمكن اقتناصه، حتى لو كان في ذلك انتهاء فكرة الوطن، بصفته أرضاً ذات سيادة كاملة، يعيش عليها شعب متساو في الحقوق والواجبات، وتحت قيادة سياسية واحدة.
إننا ضد أية فكرة تتحرك على أساس طائفي، ضد أي خطاب يفرق بين المجتمع؛ لأن كل هذه التوجهات تقضي على الأوطان… الذين انتهجوا الطائفية من أي جهة كانت معارضة أو تدّعي تأييدها للوضع القائم ليست لديهم أية مبادئ إنسانية. نرى مثلاً أن عدداً غير قليل من الذين يدّعون أنهم يدافعون عن الدولة تحت عباءة الطائفية يتصرفون حالياً وكأن الدولة رهينة في أيديهم، ويهددون ويتوعدون. هؤلاء يتحدثون بخطاب طائفي مريض وعلني، ويفرحون بقطع أرزاق الناس ويدعون إلى الاستمرار في كل ممارسة مخالفة للميثاق والدستور والقانون وجميع المواثيق الدولية الملزمة، ويتصرفون بأسلوب يضر الجهات التي يدّعون الدفاع عنها.
لو رجعنا إلى الذاكرة الوطنية، فسنجد أن الأسرة التجارية مثلاً كانت فوق الطائفية، بل إن الخمسينيات شهدت قيام التجار بحل المشكلة الطائفية، وعرف عن أسَرنا التجارية البحرينية تساميهم على كل ما هو طائفي، ولذلك نجحوا حتى قبل عصر النفط في جعل البحرين بيئة جاذبة، وذات سمعة ريادية على مختلف الصعد.
حالياً فإن الأسر التجارية أصبح دورها أقل من الماضي، بل وحتى عندما زار سمو ولي العهد غرفة التجارة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 ودعاهم إلى عدم التحدث عن مقاطعة بضائع بعضهم بعضاً على أساس طائفي، وجدنا كيف استُقبلت هذه الدعوة الوطنية بأسلوب غير لائق، وكأن الوطن يمكن اختصاره طائفياً.
إننا نمر بفترة تسبق صدور تقرير تقصّي الحقائق (لجنة بيسوني) في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، ونأمل أن يساهم الجميع بانتهاج المصالحة على أساس صورة أوضح لما حدث ويحدث في البحرين.
إن أمامنا تحديات كبيرة لاستعادة الحيوية على مختلف الصعد، وتثبيت الإرادة السياسية، واعتماد المعايير الدولية لتصحيح المسار، وحفظ الحقوق وتأمين بيئة مستقرة ملتزمة بحقوق الإنسان
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3353 – السبت 12 نوفمبر 2011م الموافق 16 ذي الحجة 1432هـ