منصور الجمري
ضحايا الحريق الأخير الذي حدث في أحد مساكن العمال الآسيويين؛ عاد ليذكرنا بوضع مأساوي يزداد سوءاً. أعداد العمال الآسيويين الذين يعيشون في منازل متهالكة يزداد، وأحياء العاصمة القديمة تنافس في مستوى سكنها وخدماتها أفقر البلدان. قصص هؤلاء العمال مأساوية بكل ما للكلمة من معنى، فهم يأتون من مناطق ضربها الفقر الشديد في بلدان مثل بنغلاديش وباكستان والهند، وهذه المناطق ستبقى فقيرة لفترات طويلة جدّاً، ونحن نتحدث عن مئات الملايين ممن يمكن اجتذابهم، أو حتى الضحك عليهم، للقدوم إلى البحرين.
وفي الوقت الذي يزداد الكلام عن لجان تحقيق وعن مساءلات؛ فإن المشكلة هيكلية، وقد حاول مشروع إصلاح سوق العمل تصحيح هذا الوضع، لكن مع ذلك فقد ازداد سوءاً، وحتى العمال غير الشرعيين (فري فيزا) ازداد عددهم. ولدينا جمعية لحماية حقوق العمال الوافدين، لكنها لا تستطيع أن تساعدهم كثيراً، فالقوانين الخاصة بحمايتهم غير قابلة للتطبيق.
اقتصادنا يعتمد اعتماداً كبيراً على العمالة الوافدة الرخيصة في أنشطة اقتصادية كثيرة، لكن هذا الاعتماد يمثل نوعاً من الاستعباد الجديد، ولذلك نسمع بين فترة وأخرى عن انتحار آسيوي، وعن سقوط بعضهم من المباني، وعن حريق في أماكن سكنهم. معظم الآسيويين من الفقراء الذين جاءوا من أجل تحسين وضعهم ووضع أسرهم، تراهم اقترضوا الكثير من أجل السفر والعمل، لكنهم يصطدمون بما يلاقونه مقابل ما سمعوه عن بلادنا. بعضهم لا يحصل على معاشه، وآخر يرمى في السوق السوداء ليعمل «فري فيزا»، وترى بعضهم يتسول في الطرقات، وآخرون ينتشرون في العاصمة وحتى في القرى تراهم يمرون على المنازل لبيع الخضراوات أو أي شيء آخر، ويعيش كثير منهم تحت سطوة الظروف القاسية، وتحت رعب الاقتراض. إضافة الى كل ذلك؛ فان هناك بعض عديمي الضمير الذين لا يرحمونهم في عمل ولا يدفعون لهم أجوراً، أو يتأخرون في تسليمهم أجرهم عن الوقت المحدد، أو يتم الاعتداء عليهم جسديّاً، أو يتم التحفظ على جوازات سفرهم لتقييد حركتهم أو لإجبارهم على دفع أموال.
في يوم مَّا ستحدث ثورة لهؤلاء. فلقد رأينا كيف نفذ العمال الآسيويون سلسلة إضرابات ومظاهرات في فبراير / شباط 2008، وتمكنوا حينها من فرض الكثير من شروطهم. حينها كان الوضع الاقتصادي في قمته على المستوى المحلي والخليجي والعالمي، لكن بعد ذلك جاءت الأزمة المالية العالمية وقللت من القوة الجماعية الكامنة لهؤلاء العمال. لكن الكوارث التي تحلُّ بهم؛ ستعيد تلك القوة إلى الظهور… إنها مجرد قنبلة موقوتة أخرى تضاف إلى ما لدينا من مشاكل جمة لا يلتفت أحد إلى معالجتها بصورة عقلانية.