د. قيس النوري
سماء العرب ملبدة بغيوم سوداء، وأرضهم مخضبة بدماء امتدت لتزرع الفرقة والتقاتل، وتحفر عميقاً في أخاديد التناحر العبثي.
هذا هو حال أمة اقرأ ، تلك الأمة التي أنجبت أعظم حضارة انسانية عندما اكتشفت أن الطريق إلى الحياة يكمن في وحدتها.
حين اضمحلت الوحدة، وتناثر الكيان القومي، وتولدت أجزاء هي في صيرورتها ناقصة البناء، معوزة الإمكانات عندها فتحت نوافذ مشرعة للتدخل، بعد أن زرع العدو الغازي، ألغام موقوتة في الكيان القطري، وما أكثرها، وكانت الخلافات الحدودية البينية إحدى تلك الألغام الموقوتة التي تشكل واحدة من أبرز النزاعات العربية-العربية فيما بينها، وتؤسس لمنطق وسلوك غارق في قطريته التجزيئية، قد ويقود إلى حروب استنزاف للجسد القومي العربي، ويعمل على تعميق مفاهيم وانتماءات التجزئة ويعيق نهضة العرب على حساب مستقبلهم ودورهم الذي غاب منذ أن تخندقت النظم العربية في أقفاص الأسر القطرية..
لقد تسرب سوء الفهم المقصود حتى إلى المصطلح، فأصبح (الوطني) يعبر عن جزء، يصغر أو يكبر، محل (القومي)، محل الأصل، في حين أن الحقيقة تتمثل في أن الوطني ليس رديفاً للقومي وإنما هو مجرد جزء منه يرتبط عضوياً فيه، وإن خرج عنه يصبح ليس ذي معنى، يصبح عاجزاً عن تحقيق وضمان أمنه.
يحق للشعوب التي توحدت أرضها، تداول مصطلح (الوطني) باعتبار وطنهم موحداً في إطار جغرافيته وشعبه ويحق لنا أن نستخدم مصطلح (الوطني) متى ما توحدت جغرافية العرب الممتدة من المحيط حتى الخليج العربي بضفتيه.. هذه الحقيقة الغائبة، أو المغيبة عن عمد، هي المقدمة لخلافات حدودية يراد منها أن تكون مداخل وآليات حروب عربية-عربية، تساندها جيوب طائفية وعرقية ولاءاتها تتجاوز الولاء للأمة، ويغذيها أصل المشروع التجزيئي الأجنبي.
ليس هناك من طريق سالك، يقصر المسافات، وينهي النزاعات، ويستنهض الأمة، ويردع العدو الطامع، غير طريق وحدة العرب أرضًا، بعد أن بلور الأصل الواحد والجغرافية ورسالة وحدتهم المتمثلة بالإسلام العظيم.
الوحدة ليست شعاراً عاطفياً، وإنما هي ضرورة ومشروع خلاص لإنهاء مأزق الكيانات القطرية، هذه الكيانات التي رسمها الأجنبي خارج إرادة الأمة تنفيذاً لخطط يراد منها الإبقاء على العرب في صراعات وتقاطعات وترسيخ العجز الذاتي الذي بات عصياً عن حل جذري ينهي وضع الأمة المأزومة.
الوحدة، بهذا المعنى، تمثل الحل الأوحد، وهي مشروع تعرضي يواجه ويقابل جل مشاريع الاستهداف الدولي والإقليمي المتشابك والمتلاقي في استهداف تفاعلي يجدد نفسه بتوظيف المتغيرات لاحتواء أي محاولة من العرب نحو بناء كيانهم الطبيعي، وإلا سوف تبقى الكيانات القطرية أسيرة مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
حدود الوطن القومي، الممتدة، وجسر الربط العظيم بين آسيا والشمال الأفريقي، يمثل الكتلة الأرضية الأكثر أهمية على صعيد الاستراتيجيات الدولية، فرطت بها وأضاعتها سياسات الغرق في التجزئة القطرية، وقبول وتمسك النظم السياسية العربية، بل تخندقها في كيانات ما هي إلا متاريس هشة البناء تستجدي أمنها من صانعي تجزئتها..
إن الوعي بالوحدة، وضرورتها، هو وعي أصيل لمتطلبات مشروعة لشعب عربي يغرق يومياً في أزمات جديدة دون أن يرى نهاية للنفق المظلم ذلك النفق الذي صممه الأجنبي وتبنته نظم التجزئة، فالهدف الأجنبي لمشروع تجزئة الأمة لن يتوقف عند حدود ما تم صنعه من كيانات قطرية سميت (الدولة الوطنية) انه مشروع تفاعلي خطير غايته الوصول إلى تجزئة التجزئة، فهل تعي النظم القطرية أنها تحولت هي إلى أداة من أدوات الاستهداف، ليس فقط على حساب الأمة وانما على حساب النظام القطري نفسه المعرض للختراق والقضم والابتزاز.
• لن يكون استقرار عربي دون الوحدة.
• لن يكون نهوض عربي دون وحدة العرب.
• لن يواكب العرب شعوب الأرض في مسيرة البناء والتقدم دون الوحدة.
• لن تصان الهوية والأرض دون الوحدة.
• لن تفعل وتستنهض الامكانات العربية دون الوحدة.
• لن يسعد العربي، أينما كان، في حياته ويأمن مستقبل أبناءه وأحفاده دون الوحدة.
• الوحدة ليست حلماً.. انها مشروع تتوافر له امكانات التحقق تتجاوز ما توافر لغيرها من الشعوب.
• الوحدة.. هي الحل الأوحد.