عوني فرسخ
نشرت فضائية CNNيوم الاثنين، الثاني من الشهر الجاري، تقريراً عن الوطن العربي استناداً إلى تقرير الإرهاب الدولي للعام 2016 تضمن الآتي: يبلغ سكان الوطن العربي 5% من سكان العالم، فيما نصيبه 17,5% من الصراعات العالمية، و45% من الهجمات الإرهابية، و47% من الهجرات الداخلية، ويبلغ اللاجئون من مواطنيه 57,5% من اللاجئين في العالم، وأنه شهد 68,5% من المعارك المتسببة بالقتل على صعيد العالم. كما يذكر التقرير أن من هم بين 15 – 29 عاماً يقاربون 30% من القوى العربية العاملة، وأن هذا القطاع الشبابي هو اليوم الأكثر خسراناً وتعرضاً للعنف على نحو غير مسبوق في العصر الحديث. ويذكر استناداً لتقرير البنك الدولي للعام 2015 أن 30% من القوى العاملة العربية تعاني البطالة، فيما نسبة البطالة عالمياً 13,99%.
وينبه التقرير لتأثير التوقعات الاقتصادية المتدنية في ظهور المواقف الراديكالية المتسببة بعدم الاستقرار السياسي. ويذهب إلى أنه يترتب على دول الشرق الأوسط توفير 60 مليون فرصة عمل في العام 2020، وعليه ينبه إلى وضوح المخاطر التي تواجه الشرق الأوسط ما لم ينهض قادة الأقطار الأكثر سكاناً لمواجهة التحديات بإيجاد فرص العمل اللازمة لإحياء آمال شبابهم، وإلا سيواجهون اضطرابات نظير ما شهدته بعض الأقطار عام 2011 بعد تفجر ما يسمى «الربيع العربي». ويذكر أن مؤشر تطور الشباب العرب خلال السنوات الخمس التالية للعام 2010 نصف ما كان عليه خلال العقد السابق، وهو دون المؤشر الدولي.
وانتهى التقرير إلى أن الإقليم العربي هو الأكثر تخلفاً في مجال توفير فرص العمل لشبابه، قياساً بما هو متوفر في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وأوروبا ووسط آسيا، وشرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، وجنوب آسيا، وإفريقيا جنوبي الصحراء، والعالم بشكل عام.
وما تضمنه التقرير، ونبه له من مخاطر، غاية في الخطورة والأهمية. إلا أن واضعيه وناشريه إنما سلطوا الأضواء بكثافة على ظواهر الواقع العربي المأزوم من دون تناول العوامل الداخلية والخارجية في ما يعانيه شبابه من بطالة وتهميش، وما تواجهه مجتمعاته من تهديد خطر لأمنها واستقرارها، لاسيما والوطن العربي هو الأكثر استهدافاً عالمياً من قبل القوى الدولية والإقليمية المتطلعة للسيطرة على موقعه الاستراتيجي، وموارده، وأسواقه، وتلك الأكثر تحسباً وعداء للعروبة والإسلام والمسيحية المشرقية، وبحيث لا تكون قراءة الواقع العربي موضوعية ما لم تتسم بالعمق والشمول. والسؤال الذي يفرض ذاته هل كان نصيب الوطن العربي من الصراعات الدولية يجاوز ثلاثة أضعاف نسبة سكانه، لولا المداخلات الدولية والإقليمية في أدق شؤون مواطنيه، وتأثيرها في صناعة قرار نخبه على مختلف الصعد؟ أو هل كان اللاجئون من مواطنيه يبلغون 57,5% من اللاجئين في العالم لولا ما اقترفته «إسرائيل» ولما تزل، من جرائم التطهير العرقي في فلسطين، واجتياحاتها المتوالية للجنوب اللبناني، فضلاً عما تسبب به الغزو الأمريكي للعراق العام 2003، وما هو ثابت من دور صناع القرار الأمريكي والأوروبي في عدوان الجماعات التكفيرية، القاعدة و»داعش» وغيرهما، على أمن وأمان المواطنين العرب مسلمين وغير مسلمين؟ أليست القوى الدولية والإقليمية، والمحلية التابعة، صاحبة دور رئيسي في أن يشهد الوطن العربي 68,5% من الحروب المتسببة بالقتل؟
فضلاً عن التذكير بأن التصاعد الطردي في عدد السكان ومطالبهم وحاجاتهم في تجاوز لنمو الموارد في أغلبية أقطار العالم دفعت للتكامل الإقليمي، كما حصل في الاتحاد الأوروبي كمثال، في حين أن التكامل العربي بات معطلاً كنتيجة لإقامة «إسرائيل» فاصلة بين جناحي الوطن العربي الآسيوي والإفريقي، وعلى تخوم مصر لتحجيم دورها القومي التاريخي. وأليست الاستثمارات العربية محكومة في أغلبيتها للمؤثرات الخارجية، ما فيه الدلالة الواضحة على أن ما استعرضه تقرير CNN لا يعود فقط لقصور الفعل والفكر العربي عن مواكبة العصر علمياً ومعرفياً وتقدماً تكنولوجياً، وتلبية احتياجات المواطنين المتزايدين عدداً وطموحاً، والتحول الواضح خلال العقود الأربعة الأخيرة من إعطاء الأولوية لتنمية الإنتاج الوطني والاستثمار في الإنسان، والتحول إلى مجتمعات استهلاكية، تعتمد أغلبيتها على «المعونات» الخارجية.
الواقع العربي مأزوم والمراجعات واجبة، لذا فمن الضروري إدراك أن أمن واستقرار كل قطر وعربي شديدا التأثر والتأثير بما هو جار في بقية الأقطار العربية. وبقدر ما تسهم النخب العربية في العمل الجاد لتطوير التعليم في كل المراحل، والتوسع في إيحاد معاهد ومراكز التأهيل المهني، والعمل على تعزيز وتعميق الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية تجاه ما تواجهه المجتمعات العربية من تحديات، بقدر ما يتم استنهاض إرادة التصدي والممانعة المتجذرة في الثقافة العربية الإسلامية، كل ذلك يستدعي مراجعة جذرية شاملة.