هاني الفردان
«صفة الإطلاق» هو المهرب الذي أوجدته لجنة الشئون التشريعية والقانونية بمجلس النواب في اجتماعها الأخير للهروب من استحقاق قانوني، ألا وهو إسقاط حصانة النائب جاسم السعيدي.
وقبل النقاش القانوني، فإن اللائحة الداخلية للمجلس أعطت المجلس الحق في قبول طلب إسقاط الحصانة أو رفضها، إلا أن القانون في مثل هذه الأمور، يفرض على المجلس إعطاء السلطة القضائية ممارسة دورها الحقيقي في مقاضاة أي نائب، إذا ما اتهم بالإخلال في أمرٍ ما، وفق ضوابط معينة سنتطرق لها لاحقاً وبشكل قانوني.
وبما أن السلطة التشريعية من الداعمين بحسب تصريحاتهم «الإعلامية الاستهلاكية» لاستقلالية السلطات الثلاث، وعدم التدخل فيها، وهم من المشددين على استقلالية القضاء، فإن من الواجب المحتوم عليهم عدم عرقلة أي إجراء قضائي حتى لو كان على عضو من أعضاء مجلسهم، ضمن مفهوم «لا تبوق ولا تخاف».
إن الحديث عن ذكر كلمات في خطبة على صفة الإطلاق وأنه لم يخص بها طائفة أو جماعة معينة، ولا يمكن الأخذ بما قاله على انه شتم أو إهانة بحق طائفة معينة، هو أمر من اختصاص القضاء الذي يحدد ذلك، وليس من اختصاص مجلس النواب، الذي عيّن نفسه سلطة قضائية، وحكم في القضية، ووقف ضد رغبة السلطة التنفيذية في إحالة القضية للسلطة القضائية.
إن الحديث عن أن «اللجنة استمعت إلى تسجيل للخطبة، واستمعت إلى السعيدي، الذي أكد أنه لم يشر صراحة إلى أية طائفة (عملاً بمفهوم التقية)، بل كان يقصد بكلامه من يقوم بالتخريب وإتلاف أموال الناس وممتلكاتهم، وقدم مذكرة قانونية شارحة تدلل أنه لم يقصد طائفة بعينها»، هو حديث مخالف لنص القانون.
قبل الولوج للنص القانوني، لابد من التأكيد على أن كلمتي «روافض ومجوس» لا تطلق على المخربين، والكل يعلم بمن تقذف هذه الكلمات وغيرها مما ذكر في الخطبة محل الاتهام، كما كان الواجب على اللجنة التشريعية عدم الدخول في هذا المنزلق، وترك الأمر للسلطة القضائية لتقول كلمتها الفصل.
لقد خالفت لجنة الشئون التشريعية والقانونية بمجلس النواب نص مرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب الباب الخامس المتعلق بـ «الحصانة البرلمانية» والتي نصت في مادة (178) على انه «لا يجوز للجنة الشئون التشريعية والقانونية، ولا للمجلس، البحث في توافر الأدلة أو عدم توافرها للإدانة في موضوع الاتهام الجنائي، ويقتصر البحث على مدى كيدية الادعاء والتحقق مما إذا كان يقصد منه منع العضو من أداء مسئولياته البرلمانية بالمجلس».
كما نصت المادة نفسها على أنه «يؤذن دائماً باتخاذ الإجراءات الجنائية متى ثبت أن الإجراء ليس مقصودا منه منع العضو من أداء مسئولياته البرلمانية بالمجلس».
إلا أن الواضح من تصريح نائب رئيس اللجنة خميس الرميحي لـ «الوسط» يوم الاثنين (5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) أن اللجنة استمعت إلى تسجيل الخطبة (أي استمعت لأدلة)، واستمعت إلى الخطيب النائب، وهو أيضاً أدلة، وبذلك فإن اللجنة لم تبحث في «كيدية الاتهامات والتحقيق مما إذا كان يقصد منه منع العضو من أداء مسئولياته البرلمانية بالمجلس»، بل أجرت تحقيقاً جنائياً كاملاً، وأصدرت أحكاماً بأن النائب المتهم في خطبته «ذكر الكلمات على صفة الإطلاق ولم يخص بها طائفة أو جماعة معينة، وبالتالي لا يمكن أخذ ما قاله على أنه شتم أو إهانة بحق طائفة معينة»، ما يعني تبرئة من التهم!
لقد خلص تصريح نائب رئيس اللجنة إلى تبرئة النائب من التهم الموجهة إليه رغم أنه بيّن أن مجلس النواب سيكون سيَّد القرار، إلا أن تلك التبرئة مخالفة للقانون وليست من اختصاص اللجنة، إذ لم نقرأ في التصريح أي حديث عما خص القانون به اللجنة، وهو البحث في كيدية الاتهام وتعطيل النائب عن مسئولياته البرلمانية.
كان من الأجدى للجنة وأعضائها أن يخلصوا إلى أن الرفض بني على «كيدية» و «سعي لتعطيل النائب عن أداء مسئولياته البرلمانية» بدلاً من البحث في أصل التهم، وحقيقتها، والأدلة، والاستماع لتفسيرات قانونية ومرافعة عرمرمية، تكشف عن تدخل السلطة التشريعية في شئون ومهمات السلطة القضائية بكل وضوح.
إن الخلط القانوني الذي عاشته اللجنة، ينم عن عدم فهم لحقيقة المهمات المنوطة بها، فالتبست عليها مهمة البحث عن الكيدية وتعطيل مهمات النائب، وبين النظر في الأدلة وأصل الاتهام وملابساتها الجنائية.
لقد عجزت اللجنة عن التفريق بين حق التشريع والرقابة وهو حق السلطة التشريعية، وحق البحث الجنائي والوقوف على الأدلة والتهم والتقاضي وهو حق السلطة القضائية.
في ظل عدم حديث اللجنة عن وجود كيدية في التهم، وعدم حديثها أيضاً عن وجود قصد منع العضو من أداء مسئولياته البرلمانية بالمجلس، فإنه أصبح لزاماً على المجلس وبنص المادة (178) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب أن «يؤذن دائماً باتخاذ الإجراءات الجنائية متى ثبت أن الإجراء ليس مقصوداً منه منع العضو من أداء مسئولياته البرلمانية بالمجلس».