حسن خليل غريب
رداً على سؤال موجه من المركز العربي – الأوروبي:
هل تتوقعون حصول توتر في العلاقات بين تركيا وإيران على خلفية الملف السوري؟
النظامان الإيراني والتركي يتسابقان على تجميع الأوراق الرابحة
قبل وقوع الصراع المباشر بينهما لاستراتيجات دينية سياسية
لكي يكون جوابنا الأقرب للصواب، يجب أن تكون رؤيتنا واضحة لاستراتيجية النظامين السياسيين في تركيا وإيران.
تثبت الوقائع كل يوم أكثر من اليوم الذي سبقه، أن النظامين تشدهما نزعة استعادة موقعيهما التاريخي في الهيمنة على المنطقة، ليس على قواعد الجيرة الحسنة ومبادئها، بل على أساس الهيمنة عليها واعتبارها عمقاً حيوياً، وموقعاً استراتيجياً، لمصالحها ونزعاتها الإمبراطورية، خاصة أن هناك صراعاً تاريخياً للسيطرة والتوسع كان يشكل السمة الأبرز في أطماعهما. وللحقيقة نقول استنتاجاً من دراسة أوضاعهما منذ تاريخهما الحديث، أي منذ استولى الاستعمار على المنطقة، وبعد أن تحول النظامان التركي والإيراني إلى نظامين علمانيين وانحصرت استراتيجيتهما في بناء دولتين قويتين منزوعة من الأهداف التوسعية، التحق النظامان بعجلة الاستعمار الجديد، ولعلَّ أبرز محطاتهما التاريخية كانت بارزة في (حلف بغداد) لصاحبته الولايات المتحدة الأميركية.
ومن خلال إسقاط نظام الشاه في إيران على أيدي الثورة الشعبية الإيرانية بقيادة رجال الدين. ومن خلال إسقاط منطق الدولة القومية الأتاتوركية في تركيا لمصلحة حزب العدالة والتنمية الإسلامي. صعدت على سطح استراتيجية النظامين معاً نزعة التوسع التاريخية تحت عباءة إعادة نظام الخلافة الإسلامية.
وإذا كانت استعادة نظام الخلافة الإسلامية غير منفصلة عن عالميتها، يعني ذلك أن استراتيجية عبور الحدود القومية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية النظامين معاً، وتحمل مبدأ (تصدير الثورة) إلى خارج الحدود التركية، كما إلى خارج الحدود الإيرانية.
ولما كان مفهوم إعادة بناء الخلافة الإسلامية عند أحد النظامين يتناقض حتى حد تكفير مفهوم الواحد منها لمفهومه عند الأخرى. يعني أن مبدأ الصراع بينهما هو القاعدة وليس الاستثناء. وما نشاهده وما نراه من لقاءات بينهما ليس إلاَّ كسباً لوقت يعمل الواحد منهما للاستفادة منه لتجميع أكثر ما يمكن من الأوراق الرابحة في يده.
وإذا كانت المواقف متناقضة بينهما في هذه المرحلة حول المسألة السورية، فليس لأن سورية هي التي كانت السبب في استعادة النظامين لنزعتيهما التوسعية، بل هي إحدى أهم الأوراق التي يتسابقان للحصول عليها، والتي يحسب كل منهما أن بحيازتها ستعطي من يربحها التأثير الأكبر في حسابات ترتيب وضع الوطن العربي برمته.
لكن ما نود الإشارة إليه في ردنا على سؤال المركز العربي – الأوروبي، هو أن العلاقات التركية – الإيرانية، كطرفين إقليميين فاعلين، هو جزء من مشروع أكبر، مشروع (الشرق الأوسط الجديد) الذي ترعاه الولايات المتحدة الأميركية. وهنا، وفي مجال رؤية المستقبل العربي في هذه المرحلة، هو أن هناك تحالف شاذ يجمع ما بين الطرفين الإقليميين، تركيا وإيران من جهة انتظاراً لصراع بينهما، والطرف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى انتظاراً للاستفادة من صراع الاستراتيجيات الدينية السياسية.
إن الخطورة المستقبلية من صراع الاستراتيجيتين التركية والفارسية، تكمن بالأساس على أن ما يفرقهما هو المحتوى الديني القائم على التكفير المتبادل. وما يمر به النظامان معاً في هذه المرحلة هو أن كلاً منهما يشد لحاف المكاسب في المواقع المختلفة في هذا الحراك الشعبي العربي أو ذاك، فإنما يتم على حساب نضال الشعب العربي وأرواح شهدائه ودماء جرحاه وآلام معتقليه.
واستكمالاً لرسم صورة المشهد الإقليمي المجاور للوطن العربي، والمشهد الدولي الطامع بهذا الوطن، وإذا ما ووجهنا بتقديم تعريف للتدخل الأجنبي، فنوضح أن كل ما ليس عربياً، فهو تدخل أجنبي من دون أي شك. ولا نستثني من ذلك تلك الواجهات العربية، التي يتلطى التدخل الأجنبي وراءها، فتلك الواجهات هي إحدى أشكال التدخل الأجنبي لا محالة، سواءٌ أكانت تأخذ وجه نظام رسمي، أم كانت تأخذ وجه معارضة محلية. ومن المؤسف بمكان أن يكون أعداء الثورة الفعليون هم الذين يزعمون صداقتها والحرص عليها، وتقديم المساعدات لها، أو السارقون لجهود مناضليها الحقيقيين.