منصور الجمري
أثناء حضوري إحدى جلسات «حوار التوافق الوطني» في يوليو/ تموز 2011، كانت المشاركات قد وزعت على محاور محددة وكل شخص له حوالي 3 دقائق (ويتحدث لمرة واحدة فقط)، وكان واضحاً في إحدى الجلسات الرئيسية أن المشاركات المتتابعة جاءت – بصورة عامة – ضمن نسق واحد، وفي اتجاه واحد، ونحو محصلة واحدة. محصلة حديث البعض هي أنهم عرفوا سر المشكلة التي أدت إلى ما حدث في دوار اللؤلؤة، وأن الحل أيضاً معروف لديهم وجاهز. هذا الحل – بلغة مجازية – يتمثل أساساً في «سلخ جلد» الفئة المستهدفة، وأن هذا السلخ يحتاج إلى «آليات أكثر فاعلية»، وعليه فيجب منح الأجهزة المعنية كل الصلاحيات اللازمة لممارسة عملية السلخ، وأن كل شيء سينتهي بصورة كاملة بمجرد إكمال هذه المهمة.
بعد فترة انتظار طويلة من ذلك السرد المتتالي؛ تمكن أحد الحاضرين (ممن يرى الأمر بصورة مختلفة) أن يتحدث، وملخص ما قاله، أن الذين تحدثوا قبله قد تحدثوا وكأن بين أيديهم وثيقة استسلام الفئة المستهدفة، وأن هذه الوثيقة تنتظر فقط تسجيل شروط ذلك الاستسلام والعقوبات التي ستفرض، وكيف ستتم منهجتها، تماماً كما فعل المنتصرون في الحرب العالمية الأولى في «معاهدة فرساي» عندما فرضوا شروطاً إذلالية على ألمانيا في العام 1918، وكان من بين تلك الشروط عقوبات شديدة واقتطاع أراضٍ من ألمانيا (بحسب جغرافيتها آنذاك) وإلحاقها بدول مجاورة. المتحدث الذي كانت لديه وجهة نظر مختلفة عن السرد المتكرر والمتتالي قال للحضور: إن الشباب الذين تم إخراجهم من الدوار لم يعلنوا استسلامهم بعد، ولذلك فإن فرض الشروط ليس في محله.
الملاحظ حينها أنه لم يرد أحد فعلاً على وجهة النظر هذه، لأن القضية بالنسبة إلى بعض من تحدثوا كانت محسومة، ولا يهمهم ما يقال، فهم يرون أنهم «منتصرون» على فئة يكرهونها، وهم فخورون جدّاً بالانتصار، وأن ما يهمهم فقط هو كيفية «اقتسام الغنيمة».
بعد حوار التوافق الوطني في يوليو 2011، جاء تقرير تقصي الحقائق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، ونسف هذا التقرير كل النظريات التي اعتمد عليها كثير من المتحدثين في حوار التوافق الوطني… ولكن الملاحظ أن الحديث العام الصادر عن جهات عدة يكرر أن الحوار الوطني «قد استكمل وتم واختتم»، وهذا الحديث لم يتغير في جوهره على رغم كل النتائج التي توصل إليها تقرير تقصي الحقائق ونسف من خلالها كثيراً من النظريات التي يكررها البعض.
إن هذا يعني – فيما يعني – أننا نراوح في مكاننا، وأن الآليات التي تتوافر لدى الأجهزة الرسمية لم تستطع أن تلغي وجود رأي آخر يحلل الأمور في سياقات أخرى… هذه السياقات تنطلق أساساً من الإيمان بأن منطقتنا العربية تعيش انبعاثاً لصحوة ديمقراطية لم تشهدها المنطقة من قبل، وأن هناك جوانب إقليمية ودولية متداخلة تؤثر على مسارات هذه الصحوة صعوداً ونزولاً. هذا يعني أن المخاض الذي نمر به يحتاج إلى فهم آخر وسياسة أخرى تنظر إلى أن النصر أو الهزيمة ليس لفئة دون أخرى، وإنما هو للبحرين كلها، فإن كان نصراً فهو للجميع، وإن كانت هزيمة فهي للجميع.