قاسم حسين
نهنّئ أنفسنا وإيّاكم على صدور النسخة الجديدة من التقرير الخاص بالفساد المالي والإداري عن ديوان الرقابة المالية.
في تاريخ البحرين في السنوات الأخيرة، صدرت الكثير من التقارير، «تقرير البندر»، «تقرير بسيوني»، «تقرير جنيف». في الأول يتكلّم مستشارٌ سوداني عن خطة سرية لتغيير التركيبة الديمغرافية للبحرين. وفي الثاني يرصد بسيوني للانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان التي حدثت في أعقاب الحراك الشعبي في فبراير 2011. أما التقرير الثالث فصادرٌ من جنيف، حيث تضمّن 167 توصية من ممثلي دول العالم للبحرين، بالالتزام بمجموعةٍ كبيرةٍ من النصائح والتوجيهات لتحسين الوضع السياسي والحقوقي، ووقف الانتهاكات.
أما التقرير الأخير، الصادر عن ديوان «الرقابة» الرسمي، فقد تحوّل مع السنوات، إلى مسلسل سنوي، على طريقة «طاش ما طاش»، يبحث في أوراقه الناس عن الطرائف، ليتخذوه مادةً للتفكه في مجالسهم لأسبوع واحد، ثم ينسون الموضوع من الأساس!
ويبدو أن معدّي التقرير خبراء في علم النفس الاجتماعي، ويفهمون سيكولوجية الجماهير، فيعمدون إلى تطعيم كل نسخةٍ بمجموعة من القصص الخفيفة والحكايات الطريفة لكي لا يكون مملاً فتزهد في قراءته الجماهير! ففي أحد الأعوام اختاروا باقات الورد التي يشتريها أحد الوزراء، وأثاث سكرتيرته، وكم كلفت موازنة الدولة! وفي عامٍ ثانٍ اختيار وزارة التنمية طابقاً في المرفأ المالي، (بأغلى إيجار)، لتقديم مساعدات للأسر الفقيرة! وفي عام آخر يختارون السائق راجو، وكوبونات النفط، ليستفيد منها كتاب الأعمدة في مقالاتهم أيضاً، خصوصاً كتاب الموالاة ليثبتوا أنهم ليسوا موالاة!
أما هذا العام، فقد اختاروا تطعيم التقرير بقصة شراء الجمارك 26 كلباً من المملكة المتحدة، بمبلغ إجمالي 531.331 ألف دينار، أي 20 ألف دينار فقط للكلب الواحد! وهو رقمٌ ليس كبيراً جداً جداً، خصوصاً أنها كلابٌ خبيرةٌ في اكتشاف رائحة السرّاق والمتلاعبين بالمال العام!
النواب اعتادوا سنوياً، كلما صدرت نسخة جديدة من التقرير، على إطلاق التهديدات للحكومة بأنهم سيستخدمون أدواتهم الرقابية، وسيحاسبون المسئولين الفاسدين، وزيراً وزيراً، ووكيلاً وكيلاً، ومديراً مديراً… وتستمر جعجعتهم الفارغة لمدة أسبوعين، ثم يخمدون!
الحكومة تتسلّم النسخة الجديدة سنوياً في صندوق مذهّب أنيق، ويُنشر خبر الاستلام والتسليم في الصحف في اليوم التالي، حيث ترتسم البسمات على وجوه الطرفين، ما يعطي انطباعاً للمشاهد بأن هذا التقرير يتضمن قصص نجاحاتٍ كبرى، وإنجازاتٍ عظمى، وليس قصص اختلاسات وحكايات فساد إداري وتلاعب فاضح بالمال العام!
الجمعيات المعارضة أصدرت بياناً قالت فيه إن هذا التقرير يكشف فساد البنية السياسية والاقتصادية للنظام، وأن ما ورد فيه من خروقات وسرقات جسيمة للمال العام، إلى جانب استمرار الأزمة السياسية، وتصاعد القمع ومصادرة الحريات وتفشي البطالة والتمييز والتوتير الطائفي، إنّما تضفي جميعها المصداقية على المطالب الوطنية في الإصلاح السياسي الشامل.
المعارضة حمّلت الحكومةَ المسئولية الكاملة عن تفشي الفساد في وزاراتها وأجهزتها ومؤسساتها، وذكّرت بفضيحة فساد «ألبا/ ألكوا»، وسرقة أراضي وأملاك الدولة، وفي مقدمتها أراضٍ تبلغ مساحتها 65 كيلومتراً مربعاً، وهي أكبر من مجموع جزر المحرق (45 كم)، وسترة (15 كم)، والنبيه صالح (2 كم)، ومعها جدة وأم النعسان وأم الصبان! أما قيمتها فتقدّر بـ 15 مليار دينار، وهو ما يعادل موازنة البحرين للسنوات الست القادمة!
ألف مبروك للشعب البحريني على صدور النسخة الجديدة من تقرير الفساد المالي والإداري، ونلقاكم العام المقبل، مع مجموعةٍ أخرى من الحكايات الطريفة والنكات العجيبة… وكل عامٍ وأنتم تضحكون