هاني الفردان
تمسّكت لجنة الشئون التشريعية والقانونية بمجلس النواب، بمنح موظفي الحكومة زيادة في رواتبهم تصل نسبتها إلى 20 في المئة، وذلك بعد أن وافقت على مشروع قانون بشأن تعديل جدول الدرجات والرواتب، على رغم رفضه من قبل مجلس الشورى.
مشروع القانون، الذي سيناقشه مجلس النواب في جلسته غداً (الثلثاء 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، ينص على أن «ترفع رواتب الدرجات الاعتيادية والتخصصية والتنفيذية والتعليمية بنسبة قدرها 20 في المئة من الراتب الأساسي»!
هذا المشروع يعود للعام 2014، وقد رفضه مجلس الشورى، والأسباب منطقية وعقلانية في ذلك الوقت، أما الآن فلا أحد يفكر أو يبحث عن أسباب ذلك الرفض فالجميع يتلمسها ويعيشها بل يتمنى فقط أن تستمر الرواتب، وأن لا تتوقف في ظل ما نعيشه من أزمة مالية حقيقية.
الدين العام في البحرين بلغ مرحلة حرجة جداً، حتى صنفت البحرين ائتمانيّاً بدرجة «عالي المخاطر» بعد التراجع من -BBB إلى BB بسبب تدهور أسعار النفط في السوق العالمية.
الكُلُّ يعلم أن أزمة مالية حقيقية تعيشها البحرين، في ظل أزمة تراجع أسعار النفط، وهبوطها إلى مستويات تشكّل تهديداً حقيقياً للوضع المالي في البحرين (ما عدا النواب)، حتى ذهبت الحكومة إلى التأكيد على حتمية وضرورة الاستمرار في سياسة الاقتراض وزيادة الدين العام وفرض الضرائب، وزيادة رسوم الخدمات، ورفع أسعار السلع الرئيسية، لإنقاذ الموازنة من العجز، وهو ما أجبر النواب على الموافقة على رفع الدين العام إلى 10 مليارات دينار.
العينة والتشكيلة (نواب وجمعيات سياسية موالية) هي نفسها التي وعدت الناس في العام 2013 بعدم تمرير موازنة الدولة للسنتين الماليتين 2013 – 2014 من دون زيادة عامة في الأجور لا تقل عن 15 في المئة! وهي تعود من جديد في هذا التوقيت الحرج مالياً للحديث عن مشاريعها الفاشلة، من أجل «دغدغة مشاعر الناس» فقط.
وزير المالية منذ 28 مارس/ آذار 2013 أعلنها صريحة للجنتي الشئون المالية بمجلسي الشورى والنواب في اجتماع بمجلس الشورى لمناقشة رد الحكومة على مطالب النواب ضمن الميزانية العامة للدولة، أبلغهم رفض الحكومة مطلب زيادة رواتب موظفي القطاع العام 15 في المئة، مبرّراً ذلك بـ»ارتفاع الدين العام».
بعد ذلك بساعاتٍ فقط توالت بيانات الكتل النيابية والجمعيات «السياسية» المندّدة، والمهدّدة، والمتوعّدة للسلطة. بيانات توحي لمن ليس بحرينياً أو مطلعاً على الشأن المحلي، بأن الحكومة البحرينية أصبحت على شفا حفرة، وأنها في مأزق سياسي عويص، وأنها أصبحت في موقف محرج وخطير!
بيانات النواب وكتلهم لا تعكس الحقيقة، التي يعرفها جميع شعب البحرين وبمختلف تلاوينه من أنها «حبر على ورق»، ومن أصدرها لا يملك الجرأة على الوقوف في وجه الحكومة، أو حتى مقارعتها، فأسقط مشروعهم ومررت الموازنة سريعاً، بل شهد المواطن البحريني بعدها سلسلة من الإجراءات التقشفية التي أثرت كثيراً على مدخوله، دون حراك نيابي حقيقي، بل دون تفعيل حتى دورهم الرقابي والسياسي لوقف تلك الإجراءات.
رئيس كتلة نيابية تابعة لجمعية إسلامية يهدد ويتوعد منذ العام 2013 بـ «التصعيد»، والتضامن الكامل مع كل النواب في أية خطوات تصعيدية يتخذونها لتنفيذ مطالب المواطنين وآمالهم التي تمثل الحد الأدنى الذي لا يمكن الرجوع عنها، على حد قوله. والحقيقة أنه تم التراجع عن ذلك، بل مرر ما هو أسوأ منها، حتى أصبح المواطن يختنق، ويطالب بحل المجلس النيابي لكثرة مصاريفه، وعدم تلمس جدوى وجوده.
العودة للحديث عن زيادة رواتب الموظفين، هو عودة لمشروع فاشل في «دغدغة» مشاعر الناس، من خلال «الترويج للأحلام الوردية»، فما عجز عنه النواب في العام 2013، مع الوعود الرسمية وقبل انتكاسة أسعار النفط، لن يستطيعوا فعله أو تمريره أو حتى إقناع الناس به في 2016.
من عجز عن وقف رفع الدعم عن اللحوم، ورفع أسعار البنزين، وزيادة رسوم الخدمات على المواطنين، ليس بمقدوره الحديث عن زيادة الرواتب حالياً ولا مستقبلاً، كونهم عاجزين حتى عن «مشاكسة» الحكومة. والناس جرّبت المجلس في الكثير من المواقف، وفشل المجلس في كل تلك التجارب، وهي حقيقة واقعية، ملموسة يؤمن بها النواب أنفسهم قبل الشعب.
مناقشة مجلس النواب في الجلسة المقبلة مشروع زيادة رواتب المواطنين 20 في المئة، كما المأثورة الشعبية الدارجة «الناس في زلزله والعروس تبّي رجل»، فالناس في زلزلة الخوف من توقف تسديد رواتبها، في ظل توالي الأزمات المالية وإعلان الحكومة التقشف علناً، والنواب يسعون لتحقيق مكاسب «كلامية» يدركها الناس منذ سنوات.
العدد 5168 – الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ