نحن ننطلق دائما من مبدأ أساسي من ميثاق العمل الوطني الذي أكد على أن المساواة بين المواطنين والعدالة وتكافؤ الفرص دعامات أساسية للمجتمع وأن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، وبالتالي فإن المواطن شريك للمواطن الآخر في التمتع بكل حقوق المواطنة.
وقد عرفت البحرين صورا مشرقة من التسامح الحقيقي والتعايش المتميز، من خلال علاقات اجتماعية واقتصادية وأسرية ومصاهرات ونسب. كان قميناً بأن يشكل حصانة قوية ضد كل محاولات تمزيق اللحمة الوطنية، لكن تداعيات الوضع السياسي الإقليمي وتأثيراته، إضافة إلى بروز أشكال من التطرف، وسعي أطراف عدة لتغذية روح التشتت وزرع المعارك الوهمية، واستمرار ممارسات صارخة تتسم بالتمييز وتعزز الاحتماء بالطائفة والقبيلة، حتى يسهل اكتمال التصرف في خيرات البلد وثرواته بعيداً عن المحاسبة والرقابة، ويوسم المنادون بالإصلاح بعدم الولاء والتشكيك في مواطنيتهم، كل ذلك قد عكّر صفو هذا الجوّ المتسامح في العقود الأخيرة، ولعله السبب الأول الذي يدعونا، ويدعو غيرنا إلى فتح هذا الملف، لمعالجته في مرحلة التحول التي نمرّ بها، آملين أن تستعيد فيها اللحمة الوطنية تماسكها، وتستأنف مسيرة العمل الوطني على أسس رشيدة وطيدة.
إن المسألة الطائفية، وفي العالم العربي بأسره، يمكن تناولها من أكثر من منهج أو رؤية، فهل نحن محتاجون أن نوغل في المنهج التاريخي الذي يبحث عن البدايات والجذور والمراحل والتطورات والصدامات السياسية وغير السياسية، أو ننخرط جميعاً في المنهج الفكري الذي يتناول العقيدة وتجلياتها وإسقاطاتها، ومدى بعدها أو قربها أو تناقضها مع العقائد الأخرى، ومدى مقاربتها للعقل والمنطق، ومدى تأثرها أو تأثيرها بما حولها أو بما سبقها أو لحقها من أفكار ومبادئ وعقائد، وما دخل عليها من مصادر غريبة، أو مرت به من تحولات. وبالتالي من هي الفرقة الناجية؟! أو نكون جميعاً بحاثة اجتماعيين نتخذ المنهج الاجتماعي لتحليل البنية الاجتماعية لكل شريحة وعلاقتها بالشرائح الأخرى، وبأبعادها الطبقية.
إننا نعتقد أن الإغراق في كل تلك المناهج غير ذي جدوى، بل ستكون مدعاة لإذكاء صراعات ومماحكات لا طائل من ورائها لأننا لن نحل إشكالات استمرت محل صراع ووجهات نظر لمدة أربعة عشر قرناً، إننا نحتاج إلى رؤية جامعة مانعة للمواطنة الدستورية المبتغاة، أساسها الانطلاق من الواقع، والقبول بالآخر، على قدم المساواة في الحقوق والواجبات والمواطنة، والاحترام المتبادل. فالوطن ملك لكل أبنائه، وعلى أبنائه جميعا حمايته والدفاع عنه، ولهم جميعا حق الإسهام في بنائه والنهوض به. وأن تترك ممارسة العبادات والشعائر الدينية بحرية تامة بعيداً عن التسييس والتشكيك، والصيغة لهذه المواطنة هي الصيغة الديمقراطية، وذلك لن يكون إلا من خلال التوافق الوطني على عقد اجتماعي يحفظ الحقوق ويجرم التمييز ويحل الملفات العالقة في بلادنا، فكل محاولات التجاهل الرسمي لم ولن تحل تلك الأزمات وإن خبت لفترة، فإنها أزمات
مؤجلة، سيستمر الوطن في حالة مراوحة وتأزم وعدم إنجاز المواطنة الدستورية التي نطمح لها جميعاً.
إن صياغة الآليات والإجراءات وفق منهج ديمقراطي وطني، تسهم الأطراف الوطنية كلها في التأطير والتنفيذ، وأن لا يستمر تجاهل دعوات الحوار الوطني، ومراجعة جميع القوانين المقيدة للحريات وطيّ صفحة الماضي من خلال ردّ المظالم، والتخلص من عقدة التشكيك في الولاءات.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.