
حاوره: عبد السلام سكية
احتُل العراق لأنه صد الهجمة الخمينية السوداء وحمى العرب من شرورها
أحد أسباب احتلال العراق، أنه صد الهجمة الخمينية السوداء وحمى العرب من شرورها.
جاء ذلك في مقابلة للدكتور خضير المرشدي، مع جريدة الشروق الجزائرية :
العراق الآن هو دولة ميليشيات وعصابات طائفية إرهابية تُسير من الولي الفقيه في إيران
لن يتحرر العراق إلا بانكفاء المشروع الإيراني الفارسي الصفوي وهزيمته الحتمية
بلغة الواثق، يؤكد الممثل الرسمي لحزب البعث في العراق، الدكتور خضير المرشدي، أن المجاهد عزة إبراهيم لا يزال حيا ويقود المقاومة، نافيا الأخبار التي راجت عن مقتله قبل أيام. ويعود المرشدي، وهو أحد الرموز الباقية من نظام صدام حسين في هذا الحوار، إلى أسباب احتلال العراق عام 2003 على أيدي الأمريكان. ويفرد حيزا واسعا لإيران، ولا يتوانى في اتهامها بتحويل العراق بكل مكوناتها الأمنية والسياسية إلى تابعة وخادمة لنظام الفقيه.
* أعلنت السلطات العراقية مقتل عزة الدوري، الأمر الذي نفيتموه حينه، لكن عدة مصادر عراقية عادت وأكدت مقتله استنادا إلى الحمض النووي، ما حقيقة ما حدث؟
الدكتور خضير المرشدي: جميع المعلومات والأخبار المتعلقة بالرفيق المجاهد عزة ابراهيم، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وقائد جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني، والتي تعلنها الحكومة العراقية عارية عن الصحة ولا أساس لها على أرض الواقع، وننفي هذه الأخبار جملة وتفصيلاً. أؤكد أن الرفيق المجاهد عزة ابراهيم سالم غانم وهو بخير، ويتمتع بصحة تامة، وهو يقود البعث والمقاومة الوطنية نحو النصر الأكيد على مخلفات الاحتلال والنفوذ والتدخل الإيراني وما سببه من طائفية وإرهاب وفساد.
* كيف تنظرون إلى الوضع العام بالعراق، بعد 12 سنة من سقوط نظام الراحل صدام حسين؟
الدكتور خضير المرشدي: بعد الاحتلال تعرض العراق، دولة ومؤسسات، لتدمير شامل، استهدف كافة مناحي الحياة، ولم يكن هدف المحتلين الأمريكان وحلفائهم إزالة النظام فحسب، بل دمّروا كافة مؤسسات ومنظومات الدولة العراقية الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية ومنظومة القيم الوطنية، ونسف الهوية العراقية الجامعة.
وجرى التمهيد لذلك كله بإصدار قرار اجتثاث البعث وحل الجيش والأجهزة الأمنية الوطنية، بما يحقق لهم أهدافهم تلك في تفكيك وحدة الدولة والمجتمع العراقي وهذا ماحصل تماماً، وتم بدلاً عنه إنشاء عملية سياسية جديدة تمثل مشروع الاحتلال، الذي قام على المحاصصة والتقسيم وتوزيع المناصب والثروات والغنائم بين ما يسمى "مكونات الشعب" وارتكزت هذه العملية على أسس الطائفية والإرهاب والفساد، وبذلك حصل انهيار خطير في كافة مرافق الحياة وعلى جميع المستويات الأمنية والاقتصادية والخدمية، وأصبح العراق بلد المليوني شهيد الذين قتلوا على أيدي القوات المحتلة الأمريكية ومن بعدها أجهزة الحكومة وإيران وميليشياتها.
– تهجّر أكثر من خمسة ملايين من خيرة أبنائه حسباً ونسباً وشرفاً، وعلماً وأدباً، وأخلاقاً ووطنية، وإخلاصاً وانتماء وكفاءة.
– فيه ملايين الأرامل والأيتام والمشردين وعشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين الأبرياء.
– تنتهك فيه حقوق الإنسان بصورة مرعبة، ويتظاهر فيه الناس يومياً مطالبين برزقهم ورواتبهم ولقمة عيشهم، وتوفير أمنهم وحفظ كرامتهم المهدورة.
– نهبت ثرواته البالغة مئات المليارات، وصودرت ممتلكاته ودمرت حضارته، وسرقت كنوزه من قبل مجموعة من الحكام والأحزاب والعصابات المتسلطة والمتعطشة إلى الجاه والسلطة والمال.
– انعدمت فيه الخدمات والكهرباء، وفقد العيش الكريم، وسادت فيه الفوضى والمحسوبية والمنسوبية وسوء المصير، وتردي مستوى التربية والتعليم، وانهيار الصحة والرعاية والاعتبار.
– يعيش شعبه الكريم في غياهب المجهول والإحباط والظلام والتخلف والسواد والتراجع إلى عصر القرون الوسطى… باختصار:
إنه بلد الكارثة التي تجر أخرى، والأزمة التي تلد ثانية، وساحة لصراع دولي خطير يتم فيه تنفيذ أجندات أجنبية مشبوهة، والضحية هو شعبه الكريم الذي لا يزال يقاوم هذا الظلم والشر والعدوان والإرهاب الأسود.
* يُنظر إلى الحزب أنه أحد أهم المتسببين في الوضع المأساوي للعراق، بحكم أنه كان الحاكم طيلة عقود ونتيجة للدكتاتورية المفرطة التي انتهجها كانت نهايته سريعة؟
الدكتور خضير المرشدي: قد تكون مسؤولية نظام حزب البعث الرئيسية هي بسبب تلك الإنجازات الكبيرة التي حققتها قيادة الثورة ونظام البعث في العراق على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية، والنهضة العلمية في مجال البحث العلمي، وفي الزراعة والإصلاح الزراعي، والصناعة والتصنيع العسكري، والخدمات الصحية، والتربوية الرصينة، والقضاء على الأمية، وتخريج جيش من العلماء في مختلف الاختصاصات، وثورة تأميم النفط الخالدة، وترصين الوحدة الوطنية بإعلان وتطبيق قانون الحكم الذاتي للأكراد، والمواقف القومية المشرفة، خاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية والدفاع عن العروبة وعواصمها في جميع ساحاتها من دول المغرب العربي وحتى المشرق كلما تطلب الموقف ذلك، وصد الهجمة الخمينية السوداء وحماية الأقطار العربية من شرورها، ودعم حركات التحرر في العالم، وبناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وجيش العراق العربي على أسس من العقيدة الوطنية والانتماء إلى العروبة والدفاع، ليس عن العراق فحسب بل عن الأمة بأجمعها… وغيرها مما لا يعد ولا يحصى من المنجزات… نعم إن كل تلك المنجزات وغيرها كانت السبب في العدوان على العراق واستهدافه وغزوه واحتلاله وتدمير دولته الوطنية العروبية المهابة.
أما الحديث عن الدكتاتورية وغياب الديمقراطية، وأن ذلك كان دافعاً إلى الغزو والاحتلال، فإنها واحدة من الأكاذيب التي ساقتها الإدارة الأمريكية كمبرر لارتكاب جريمتها الكبرى في الاحتلال، إضافة إلى كذبة أسلحة الدمار الشامل، والعلاقة مع القاعدة، وقد أثبتت الأحداث زيف وبطلان تلك الأكاذيب، فالديمقراطية التي تدعيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، كانت بمثابة معول للتهديم والخراب والفوضى والقتل والطائفية والفساد والحرمان وقطع الأرزاق والضياع والإرهاب.
وما يؤكد تلك الكذبة هو أن حلفاء أمريكا وأصدقاءها في المنطقة العربية، وممن تحالفوا معها في غزو العراق وتدميره، هم من ألدّ أعداء الديمقراطية والحريات التي تعتبر هذه القيم من الحقائق الثابتة والخالدة في فكر حزب البعث وعقيدته وبرامجه ونظامه ودستوره.
* على ذكر سقوط عاصمة الرشيد، من خان العراق كي تسقط بغداد في يوم وليلة وبتلك الطريقة المأساوية؟
الدكتور خضير المرشدي: لم تسقط بغداد بين ليلة وأخرى كما يرى البعض. ولم يَخُنْها أحد من أهلها، بل إنه كان صراعا طويلا مع قوى الشر والعدوان والاحتلال امتد سنوات طوالا، كان فيها العراق مقاوماً وصامداً ومتصدياً، منذ العدوان الإيراني عام 1980 وحتى الاحتلال عام 2003، مرورا بالعدوان الثلاثيني عام 1991 وما تلاه من حصار لمدة 13 سنة، تصدى فيه لهذا العدوان، وقاوم الحصار الشامل وما رافقه من عمليات عسكرية وقصف يومي ومناطق حظر الطيران، ومؤامرات خسيسة لإسقاط دولته الوطنية.. كلها كانت بمثابة قصف تمهيدي أفشله العراقيون بمقاومتهم وصبرهم، حتى جاءت أميركا بكامل ترسانتها وبدعم أكثر من 20 دولة من حلفائها لاحتلال العراق وتدميره.
* بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، أين العراق حاليا، هل هو تحت سيادة شرعية وصلت إلى الحكم عبر صندوق الانتخاب، أم إنه تحول إلى ولاية إيرانية؟
الدكتور خضير المرشدي: العراق الآن هو دولة ميليشيات وعصابات طائفية إرهابية مسلحة عددها يتجاوز الخمسين ميليشيا مرتبطة بفيلق القدس الإيراني وبقيادة مباشرة مما يسمى "الولي الفقيه" في إيران، وإن ما يسمى الحكومة العراقية والعملية السياسية فإنها تدار من قبل إيران وميليشياتها بشكل مباشر وعلني، أما موضوع الانتخابات وصناديق الاقتراع فهي كذبة كبيرة تضاف إلى كذبة أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع القاعدة التي اتخذت مبرراً لاحتلال العراق وتدميره.
ولمزيد من توضيح حقيقة العدوان الإيراني المستمر تجاه العراق، أستطيع القول، إن إيران كانت منذ زمن طويل، ومنذ مجيء الخميني تحديداً سبباً في المشاكل التي يتعرض لها العراق وعاملاً أساسياً في تهديد أمنه وعدم استقراره.
والحديث عن الدور والتمدد الإيراني له أبعاد وأهداف ترتبط بهدف ومفهوم "تصدير الثورة" الذي أطلقه الخميني منذ مجيئه إلى السلطة وأراد من أجل ذلك احتلال العراق في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وقام بالعدوان وبدأ الحرب على العراق، وقد تصدى له العراق وأجهض هذا العدوان في حرب دفاعية استمرت ثماني سنوات فرضها النظام الإيراني على العراق وأصرّ على استمرارها رغم موافقة العراق على جميع الوساطات والقرارات الدولية، إلى أن تجرع هذا النظام السم الزؤام بانتصار جيش العراق عام 1988 على قواته المعتدية، وألحق به هزيمة كبيرة.
بعد احتلال العراق، الذي كان لإيران دور مباشر فيه من خلال تعاونها مع الأمريكان في تسهيله، فقد بدأت صفحة جديدة من العدوان والتمدد الإيراني تجسدت بهيمنتها الكاملة على إدارة وقيادة العملية السياسية وبالتنسيق والاتفاق مع الأمريكان.. مع تشكيل ميليشيات مسلحة ومدربة مرتبطة بفيلق القدس الإيراني لإدارة شؤون الأمن والدفاع والاقتصاد وغير ذلك لتكون ذراع إيران المنفذ لسياساتها في العراق.
ولا بد من التأكيد أن خطورة الدور والتمدد الإيراني ليس بالحرس الثوري أو فيلق القدس أو الأجهزة الأمنية أو الجيش الإيراني وأسلحته وجواسيسه فحسب، لكن الخطورة الحقيقية للتدخل والنفوذ والوجود الإيراني في البلاد العربية هو بتكوينها ميليشيات عميلة تابعة لها من أبناء تلك البلدان العربية يدينون لها بالولاء والطاعة والقتال بالنيابة.
* اتهامات كثيرة توجه إلى البعثيين، ومنها التحالف مع داعش ومدها بالسلاح حتى ظهر التنظيم بهذه القوة. فما ردك؟
الدكتور خضير المرشدي: هذه الاتهامات غير صحيحة، لأن الأحداث ومن يتذكرها وهي ليست بعيدة، سوف يعرف بسهولة أن مصدر أسلحة هذا التنظيم هو ما حصل عليه بعد انهيار وهروب ما يسمى "الجيش العراقي" في الموصل وتكريت والأنبار، ومثله ما حصل في سوريا. وعليه، فإن الاتهامات الموجهة إلى حزب البعث العربي الاشتراكي من قبل الحكومة العراقية وإيران والميليشيات العميلة المرتبطة بهما، المقصود من ورائها هو الإمعان في اجتثاث البعث والمقاومة وكل صوت عراقي وطني، وملاحقة واعتقال وقتل وتصفية كوادر الحزب والقوى الوطنية الأخرى، ومحاولة إنهاء دوره الوطني والإنساني في العراق، وإيجاد المبررات للاستمرار في اجتثاثه وتجريمه وحظره كما تسعى الأطراف المرتبطة بإيران إلى استصدار قانون بذلك، مما يهيئ الأرضية لتنفيذ مشروعهم في التقسيم والتدمير الذي يقاومه البعث بصبر وبسالة وقوة من جانب، ولإيجاد مبرر لارتكاب المزيد من الجرائم في حق العراقيين في جميع المحافظات والتغطية عليها من جانب آخر.
* تنفون أي علاقة مع تنظيم داعش، إذن كيف السبيل للقضاء على هذا التنظيم؟
الدكتور خضير المرشدي: بتنفيذ جميع حقوق ومطالب العراقيين الذين قاوموا الاحتلال لأجل انتزاعها، وثاروا واعتصموا وضحّوا وسالت دماؤهم غزيرة من أجل تحقيقها، والتي لا تزال دون تنفيذ.
إن عدم حل المعضلات الكبيرة التي خلفها الاحتلال وسببتها حكوماته المتعاقبة، وعدم اعتماد مبادئ الحل الشامل التي تطالب بها الملايين من العراقيين، بتغيير الدستور وإلغاء الاجتثاث والمساءلة والعدالة، والمادة 4 إرهاب، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وتعويض المتضررين من هذه القرارات، وبناء أجهزة الدولة وخاصة الجيش والقوى الأمنية على أسس وطنية، وحل المليشيات المسلحة، وإقامة النظام الوطني الديمقراطي التعددي الذي لا يستثني ولا يقصي أحدا، ويحقق العدل والإنصاف والمساواة، ويضمن حقوق جميع العراقيين، بما يفضي إلى حالة من الأمن والاستقرار في العراق، وعدم الاعتماد على الحل الأمني والعسكري المجرّد الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والخراب ومزيد من الإرهاب والتطرف، إذا لم يتم تنفيذ تلك الحقوق والمطالب الوطنية المشروعة الأخرى، فسيكون الوصول إلى حل جذري لمشكلة العراق أمراً مستعصياً.
* متى في رأيك سيتحرر العراق من براثن الفتنة الطائفية وكيف السبيل إلى ذلك؟
الدكتور خضير المرشدي: بانكفاء المشروع الإيراني الفارسي الصفوي وهزيمته الحتمية، سوف يتحرر العراق من هذا الداء الطائفي الإرهابي الفاسد الخبيث، وسوف يكون لذلك تداعيات إيجابية كبيرة على مستوى الأمة العربية وفي جميع أقطارها المجيدة.
الشروق 27/4/2015