تحدثت في العمود السابق عن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن قضية المقاومة المسلحة للعدو الاسرائيلي، ورفضه المطلق لها، وقوله ان الشعب الفلسطيني كله يرفضها.
وبالإضافة الى الملاحظات التي ابديتها في العمود السابق، فان جوانب جوهرية يجب ان تثار بشأن قضية المقاومة المسلحة والموقف المفترض منها وما يجب ان يقال او لا يقال بهذا الشأن.
بداية، المقاومة المسلحة للاحتلال الاسرائيلي هو حق كفله القانون الدولي للشعب الفلسطيني، كما كفله لكل الشعوب الخاضعة للاحتلال. وليس معقولا ولا مقبولا، من حيث المبدأ، ان يأتي الرئيس الفلسطيني او أي قوة او قيادة فلسطينية ليعلن ببساطة التخلى عن هذا الحق، او يدين اللجوء الى المقاومة المسلحة في مطلق الأحوال.
هناك فارق شاسع هنا بين القول مثلا بأنه في المرحلة الحالية من كفاح الشعب الفلسطيني، فان الاولوية هي للكفاح السلمي وليس للكفاح المسلح، وبين اعلان التخلي نهائيا عن المقاومة المسلحة من حيث المبدأ وبشكل نهائي.
ومن الغريب حقا ان يقال مثل هذا الكلام بالرفض المطلق للمقاومة المسلحة في الظروف الحالية بالذات التي تمر بها القضية الفلسطينية.
نعني ان الكل بات يعلم اليوم ان مسيرة المفاوضات والرهان عليها لاستعادة الحقوق الفلسطينية هي مسيرة عبثية . ليس هناك لا في خبرة السنوات الماضية ولا في احتمالات المستقبل المنظور، أي شيء يشير من قريب او بعيد الى ان الشعب الفلسطيني يمكن فعلا ان يحصل على حقوقه المشروعة العادلة عن طريق المفاوضات وحدها.
هذا في الوقت الذي يستخدم فيه العدو الاسرائيلي كل جبروت آلته العسكرية وكل ما بحوزته من وسائل عنف وقمع لممارسة الارهاب ضد الشعب الفلسطيني، ولتنفيذ مخططاته في القتل والتدمير وابتلاع الارض بالاستيطان وتهديد المقدسات.
التاريخ كله لم يعرف حركة مقاومة وطنية ضد احتلال اجنبي وتسعى الى التحرر واستعادة الارض والحق تخلت طواعية عن المقاومة المسلحة من حيث المبدأ. حقيقة الامر اننا لا نعرف في التاريخ حركة مقاومة وطنية ضد الاحتلال نجحت في تحقيق التحرر والاستقلال فقط بالمفاوضات وحدها ومن دون استخدام القوة المسلحة في مراحل من كفاحها ضد المحتل الغاصب.
وحتى بالمنطق السياسي البسيط.. نعني بمنطق العمل والكفاح السياسي نفسه، فان اعلان التمسك بورقة المقاومة المسلحة هو في حد ذاته احد اوراق الضغط الكبرى التي لا يجوز التفريط فيها.
نعني أن هذا المنطق السياسي يقول انه لا بأس من ان تعلن السلطة الفلسطينية او أي قوة فلسطينية انها تؤيد عملية التفاوض الى نهايتها لاستعادة الحقوق. لكنها في الوقت نفسه من المفروض ان تؤكد للعدو وللعالم بأسره انه اذا ثبت في النهاية ان التفاوض لن يعيد الحق الفلسطيني كاملا، فان الشعب الفلسطيني ليس واردا بالنسبة له ان يتخلى عن حقوقه، وانه سوف يسعى للحصول على حقوقه بكل الوسائل التي يملكها بما في ذلك اللجوء الى المقاومة المسلحة المشروعة.
هذا هو ما يجب ان يقال في شأن المقاومة الفلسطينية المسلحة والموقف منها، سواء من جانب القوى الفلسطينية او من جانب الدول العربية عامة.
اما ان يقال، فلسطينيا وعربيا، انه ليس امامنا من سبيل لاستعادة الحقوق الفلسطينية الا المفاوضات، والمفاوضات وحدها حصرا وقصرا، فهذه ليست استراتيجية لاستعادة الحقوق .. هي استراتيجية للتفريط في الحقوق.
ان يقال، فلسطينيا وعربيا، ان المفاوضات هي خيارنا الاستراتيجي الاوحد الذي لا خيار غيره، ليس له من معنى سوى اعلان العجز التام .. ليس له من معنى سوى اعلان اننا، وبارادتنا ورغبتنا، نقبل ان نكون تحت رحمة العدو الاسرائيلي وحلفائه في العالم، ولا نملك الا انتظار ما يتفضلون به علينا.
وهل يمكن ان يحصل الشعب الفلسطيني على حق واحد من حقوقه بمثل هذه الروح وهذا النمط من التفكير والسلوك في إدارة الصراع؟
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.