المقاهي الشعبية في البحرين منهل خصب لحصول الصحفيين والمهتمين على أخبار حول الوضع المعيشي والغلاء والوجود الأجنبي (العمالة الأجنبية)، ومستوى الحريات، وأداء مجلس النواب، واللعبة الديمقراطية كما يسميها البعض. بالإضافة إلى سوالف الفنادق، وآخر المستجدات حول سواق التاكسي والسياح، ومعاشات التقاعد (حلاوة الى 500 دينار)، والخدمات الصحية (الطوارئ) التي تقدمها وزارة الصحة، وغيرها من المواضيع التي توحي بأفكار حقيقة تصلح أن تكون منطلقا لتحقيقات صحفية قوية.
ويلاحظ غياب للصحفيين البحرينيين عن معظم المقاهي الشعبية (ما عدا قليلا منها)، حيث التوجه الراهن للصحفيين البحرينيين وغيرهم من زملائهم العرب الى المقاهي الحديثة كمناطق جاذبة أكثر وخدمة افضل وأكثر نظافة.. وصدق من قال : "لكل زمان أهله".
وليس من الهين ان ألزم صحفيا في العشرينيات من العمر بالوجود في أماكن مضى عليها على الأقل 60 سنة، ولكن الامر يظل عائدا له عل وعسى يزورها يوما، فيسعد بما يراه من بشر، وما يسمعه من حكاياتهم، وما يتلمسه من معاناتهم حول ارتفاع أسعار البيض والجبن والسمك والمشروبات الغازية والأدوية مقابل ضعف الأحوال المادية وتدني الدخول.
وهذه الرؤية حقيقة ليست ميزة خاصة بمقاهي البحرين بقدر أن التاريخ يسجل بأحرف من نور دور المقاهي في القاهرة ودمشق وبغداد وغيرها من العواصم والمدن العربية الكبيرة حيث تعود أهل الفكر والفن والمشتغلون بالسياسة واصحاب الأقلام الحرة اللقاء والتحاورات الحادة والعميقة، يقابلهم في زاوية أخرى من المقهى حفنة من المراقبين أو من ممن لا هم لهم سوى شرب قدح من الشاي، وتدخين الشيشة، أو من فئة الجدل البيزنطي ومخترعي النكات، واذا لم يتمكن (من اختراع نكتة)، غير موجة ارساله، متحدثا بأعلى ما يمكن ان تجود به عقيرته من الاهانات غير آبه بأحد.
وهذا المشهد، في الحقيقة منطق من لا منطق له، ومنهاج من لا منهج له، يجاريه الحاضرون في الضحك، لكنهم سرعان ما يغمرونه بالنقد، ويجرحونه مع وضع أول قدم له، وهو يهم بالخروج، ويدعون له بعدم العودة وعدم التوفيق.
هذه النماذج من رواد المقاهي الشعبية ما زالت موجودة في المقاهي في البحرين، وقد يتميز مقهى عن آخر لكن الطابع العام يظل كما هو سواء في المنامة او دمشق او القاهرة.
اضف الى ذلك ان بعض مقاهي المنامة أصبحت مقرا لعقد صفقات العقار وعقود بيع الاراضي والبيوت، ولا اعتقد ان باقي المقاهي بالدول العربية تبتعد عن هذا الذي يجري على مقاهينا.. فهل يمكن أن يعير بعض الصحفيين المقاهي الشعبية ولو جزءا يسيرا من اهتمامهم ذلك لان القراء سيكونون هم الفائزون