أشهر مضت وملف المفصولين على الطاولة، لا يبرح أمرهم قيد أنملة، لا التصريحات بإعادتهم تطمئن، ولا الواقع يحمل شيئاً من هذه التطمينات، التي أضحت بالنسبة للمفصولين تصريحات للاستهلاك الإعلامي فقط، أشهر وآلاف المفصولين الذين يتحملون مسئولية عوائل بالآلاف أيضاً يرزحون تحت وطأة الحاجة، وملاحقات البنوك، وقلق الغد الذي لا يأتي مبشراً عادةً.
ما يوجع أن الكثيرين فصلوا جماعياً، بموجب قرار يتيم صدر من لجنة شكلت على عجالة تحت مسمى لجان التحقيق، وبعض من تم فصلهم لم توجه لهم تهم حقيقية تستوجب الفصل من العمل، ورغم ذلك فصلوا لأسباب كثيرة ومختلفة، لا يهم ها هنا ذكر أسباب ذلك الفصل وان كانت جزءاً من المشكلة، إنما المهم هو تنفيذ الأمر الملكي بعودة المفصولين بالسرعة ذاتها التي جرى فيها فصلهم.
قد تشوب عودة مفصولي القطاع الخاص بعض العراقيل التي تؤخر تنفيذ القرار لحين التوصل لاتفاق بين وزارة العمل وتلك الشركات، لكن ما الذي يمنع عودة موظفي القطاع العام، إن كان جلالة الملك يأمر بعودتهم، وسمو رئيس الوزراء يأمر بعودتهم، وسمو نائب رئيس الوزراء يحث على الإسراع بعودتهم؟ يبقى السؤال: من الذي يؤخر إذاً عودتهم ويعطل هذه المصالحة التي نحن بحاجة لها الآن قبل الغد؟
لمَ يرفض وزير أو مسئول في القطاع العام عودة المفصولين من موظفي وزارته إن كان الأمر صادرا من القيادة السياسية؟ وفي صالح من يصب هذا التعطيل؟ وهذا هو الحال في الكثير من الوزارات، إذ لايزال موظفوها المفصولون على خلفية الأحداث المؤسفة يصارعون من أجل العودة دون أي نتيجة.
لم يعد هذا البلد يحتمل المزيد، المفصولون هم من نخب المجتمع، ليسوا موظفين بسطاء وهؤلاء سيشكلون دائماً أداة ضاغطة على السلطة بسبب علاقاتهم وانفتاحهم مع أقرانهم من عمال ونقابات الدول الكبرى، التنسيق بين كل هؤلاء لن يكون في صالح الدولة التي بدأت تخسر الكثير بسبب أزمة المفصولين.
في جميع دول العالم الإضرابات العمالية أداة ضاغطة معترف بها للاستجابة لمطالب العمال، ورغم انتشارها في الآونة الأخيرة في عدد كبير من البلدان ولقطاعات مختلفة آخرها قطاع الطيران بالشقيقة الكويت فإن البحرين كانت الدولة الوحيدة التي انتهجت الفصل والتوقيف عن العمل مسلكاً لاحتواء الأزمة، التي لا نرى إلا انه احتواء مؤقت يعقبه ما لن تحمد عقباه أبداً.
إن تجويع الناس وملاحقتهم في أرزاقهم، وتركهم بلا أمل هي أمور لا تنبئ باستقرار، فمحبة الناس لوطنهم أمر، وصراعهم من اجل البقاء أمرٌ آخر، إن الاستمرار المتعمد في الفصل والملاحقة رغم التوجيهات الملكية يجب أن يتوقف، وان تعاد الناس إلى وظائفها من دون شرط أو قيد، فهذا الوطن مليء بالجراح المفتوحة، لننتهي من ملف المفصولين، ونجتهد في تضميد جراحاتنا، فلدينا قائمة تطول من الأوجاع التي لسنا بحاجة لسكب الزيت على نارها
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3337 – الخميس 27 أكتوبر 2011م الموافق 29 ذي القعدة 1432هـ