عيسى سيار
لا يوجد أدنى شك في أن الشعب البحريني بعد طاولة الحوار العتيد، ينتظر وعلى أحر من الجمر، مشروعاً سياسياً نهضوياً متكاملاً ذا أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، ينقل البحرين نقلةً نوعيةً حضاريةً ترقى إلى مستوى نضال وتضحيات وتطلعات الشعب البحريني على مدى ما يقارب من قرن من الزمان.
فقد يستغرب الكثير من الناس وحتى المتخصصين منهم إذا عرفوا إن الشعب البحريني مارس العمل الديمقراطي في بداية العشرينيات من القرن الماضي في أول انتخابات بلدية على مستوى الخليجي العربي وتحت مظلة الاستعمار البريطاني الذي امتثل صاغراً لإرادة هذا الشعب العظيم. حينها بعض الدول العربية الخليجية لا يوجد بها حتى تعليم نظامي، والعديد من الرعيل الأول من قياداتها تخرّج من مدارس البحرين، وبعد كل هذا التاريخ الناصع البياض يطل علينا أحد جماعة «الريموت/السبوس» ليقول لنا بأن الشعب البحريني غير مهيأ أو غير جاهز لتغييرات دستورية جوهرية في هيكلية النظام السياسي في البحرين! فهل هي ضحالة سياسية؟ أم جهلٌ بتاريخنا الوطني؟ أم بسبب توجيهات «الريموت» الذي يدير عن بعد عدد من يمثلون الشعب البحريني في الحوار!؟
إن الشعب البحريني يقول لجماعة «السبوس/ الريموت» ومن لف لفهم وباختصار: بعد تصريحاتكم المتكررة المشينة والمسيئة لتاريخه ونضاله وتضحياته: أنتم لا تمثلوننا على طاولة الحوار تمثيلاً ديمقرطياً، ولو قُدّر أن تكون هناك انتخابات نزيهة لاختيار من يمثل الشعب البحريني في طاولة الحوار لما تواجد واحد منكم، ولكن بسبب تدخلاتٍ من هنا وهناك وبالذات من المطبخ السياسي، جلستم على طاولة الحوار، وكنا نتوقّع منكم أضعف الإيمان وهو أن تحترموا تاريخ الشعب البحريني ونضاله من أجل العدالة والديمقراطية والعيش الكريم. ونحن نقف أمام منعطف تاريخي خطير وغير مسبوق ولكن مع الأسف الشديد تبيّن بأن وجودكم على طاولة الحوار هو من أجل إفشال أو تعطيل أي مشروع سياسي من شأنه إحداث تغييرات دستورية جوهرية تفضي إلى أن يكون الشعب البحريني شريكاً حقيقياً في الدولة وليس صورياً، كما هو عليه الحال الآن باعتباره مصدر السلطات جميعاً كما ورد في المادة (1) الفقرة (د) من دستور البحرين.
لقد مضى ما يقارب الأربعة أشهر من عمر طاولة الحوار المديد، ولم يرَ الشعب البحريني أي بارقة أمل تلوح في الأفق لإخراجه من النفق السياسي والمعيشي المظلم. والسبب إن هناك فريقين يجلسان على طاولة الحوار وليسوا أربع فرق، كما صرّح مؤخراً وزير العدل فريق المعارضة والفريق الآخر الـ %70 الذين أتى بهم النظام السياسي بما فيهم ممثلو الحكومة ونواب الشعب! حيث من وجهة نظري، البرلمان الحالي لا يعدو كونه ذراعاً حكومياً وبرغبة! فلا بأس بالنسبة لجماعة «الريموت» في أن يستمر الحوار 100 عام لأنهم متأكدون بأنهم سوف يورثون كراسي الحوار لأبنائهم وأحفادهم… ولمَ العجلة؟ حسب زعمهم المتذاكي! لأن الشعب البحريني في نظرهم صغيرٌ على الديمقراطية! وما الذي سيخسره من يحرّك «بالريموت» مادامت الشرهات والعطايا والمناصب مستمرة! وعلى الشعب البحريني في نظرهم أن يتجمل بصبر سيدنا أيوب حتى يكون شعباً وفياً ومخلصاً لثوابته الوطنية! «وصبري يا حريجة سار لين ييك ماي الحنينية»، والحنينية كما تعلمون انشفط مايها! وبعد الأخضر تم أكل اليابس! واسألوا ديوان الرقابة المالية والإدارية أين ذهب ماء الحنينية وعن الأخضر واليابس! قد تجدونه في تقارير الديوان التسعة العتيدة! وجهزوا الطبول.
ومن خلال رصدي لما جرى في جلسات الحوار العتيد، نجد بأن المعارضة بغض النظر اتفقنا أم اختلفنا مع طرحها، تبحث في الأصول وتقدّم منهجية وآليات عمل واضحة للحوار ولديها مشروع سياسي متكامل يتضمن إصلاحات دستورية جذرية تطال الحكومة والبرلمان والدوائر الانتخابية والقضاء والتجنيس السياسي ومكافحة الفساد…إلخ، وذلك من أجل التوصل إلى مخرجات ترقى إلى تضحيات وتطلعات الشعب البحريني، وتجنبنا الرجوع إلى المربع صفر وإلى ما لا يحمد عقباه.
أما الفريق الآخر الذي يُحرَّك «بالريموت كونترول»، فإن دوره يقتصر على التصيّد أو رفض ما تطرحه المعارضة من خلال تشتيت الحوار إلى مسائل ثانوية ليس لها علاقة البتة بطاولة الحوار، في حين تجدهم خارج طاولة الحوار يجرون وراء الفتات والمكرمات يدغدغون بها عواطف المواطنين، كزيادة الرواتب التي حوّلتها الحكومة من «خطٍ أحمر» إلى «أحمر شفاه»، يعني بالعامي «حمرة» وجعلتهم «سبوساً» أمام الشعب البحريني. هل أصبحتم فعلاً معارضة المعارضة كما تم تصنيفكم سياسياً.
إنهم يعلمون تمام العلم بأن وجودهم شكلي على طاولة الحوار، وأن الطرف المستهدَف في الحوار هم المعارضة والتي بسببها وبسبب ضغوطات خارجية يعود الفضل فيها أيضاً للمعارضة فتحت طاولة الحوار. ولأنهم يدركون أي جماعة «الريموت» أن دورهم شكلي، فهم يطبقون المثل المصري «خذوهم بالصوت لا يغلبوكو»! وهنا نتساءل أين الـ 80% من المطالب التي تتفقون فيها مع المعارضة والتي أوجعتم بها دماغ الشعب البحريني ليل نهار… هل هو تدليس سياسي؟ أم ماذا؟
إن طاولة الحوار الحالية في نظري هي نسخةٌ ميكروسكوبية عن طاولة حوار 2011 من حيث نسبة التمثيل وآلية اختيار الممثلين والضبابية في مصير المخرجات، ويراد كذلك لمخرجاتها أن تكون شكليةً وهزيلةً كسابقتها! وهنا نود أن نجأر بالصوت ونقول لمن يريد أن يجعل من طاولة الحوار وسيلةً للعب على الذقون، وللف والدوران على مطالب وحقوق الشعب البحريني في المشاركة الفعلية في الدولة وصنع القرار السياسي والسيادي، بأنك واهمٌ ومليون واهم، ومن يلعب بالنار تحرق أصابعه، وحذارِ من خداع الشعوب لأن زمن غسل أدمغة الشعوب ولّى إلى غير رجعة، والشعب البحريني سوف يراقب ويحاسب حكومته وبرلمانه وقضاءه بكل دقة ومسئولية وشفافية بعيداً عن المجاملات وحب «البشوت»، لأنه قرّر أن يكون بالفعل مصدر السلطات جميعاً كما ورد في المادة الأولى من الدستور. ولن يقبل الشعب البحريني بعد الآن أن يعيش على الفتات والمكرمات أو أن يكون مطيةً أو إمّعةً لأحد، فقد قرّر أن يكون سيد نفسه وسيد قراره… فمن يرفع الشراع؟