هاني الفردان
في ظل الأوضاع السياسية الحالية، وفي ظل ما نشهده من تغيرات يدور حديث عن ضرورة أن تعيد المعارضة حساباتها، وأن تراجع مواقفها.
منذ العام 2011، وقبل انطلاق «حوار التوافق الوطني» (الحوار الأول) كانت جميع التصريحات الرسميّة، تشير إلى أنه «لا يمكن أن يكون هناك حلٌّ في البحرين إلا من خلال التوافق الوطني بين جميع مكونات الشعب».
خلال فترة زمنية لم يتحدث أحد من المسئولين إلا عن مفهوم «التوافق». وحتى المتحدثة الرسمية باسم الحكومة في ذلك الوقت صرحت كثيراً، ومن بين تلك التصريحات ما نشر في صحيفة «الشرق الأوسط» (10 يناير/ كانون الثاني 2014) عندما أكّدت «أنه لا حل آخر في البحرين إلا بالحوار والتوافق»، مشدّدةً على أنه «لدى الأطراف البحرينية خلافات يمكن حلها بالتوافق وعبر طاولة الحوار، ولا شيء غير ذلك». أي لا شيء غير «التوافق».
في (17 سبتمبر/ أيلول 2014) أعلن لقاء «الأعيان وشخصيات المجتمع»، وتناول اللقاء ما تحقق من خلال تفعيل المشاركة الشعبية واستمراراً للأخذ بمنهج التوافق، فقد تم إطلاع الأعيان وشخصيات المجتمع وأخذ رأيهم حول ما تم التوصل إليه بالمحور السياسي في استكمال حوار التوافق الوطني والمتضمن إطاراً واضحاً يمثل قاسماً مشتركاً بين جميع الأطراف المشاركة.
بدا واضحاً أن لغة «التوافق» التي كان الجميع متمسكاً بها منذ العام 2011 بين مكونات المجتمع، تبدّلت إلى لغة بعنوان آخر، وهو «القواسم المشتركة»، وذلك لعدم الوصول إلى صيغة حل.
فشل مبادرات «الحوار» السابقة حمّله البعض إلى قوى المعارضة، فيما اتهمها البعض برفع سقف الخطاب والمطالب، فيما تتهم المعارضة الطرف الآخر بـ «عدم الجدية».
هناك من يدعو إلى إيجاد دماء جديدة قادرة على تحريك المياه الراكدة، في ظل حالة «الصدام العلني» بين المعارضة والحكومة، ولذلك تم التوجه قبل عام وأكثر نحو «أعيان وشخصيات المجتمع».
الحل ليس مشروطاً بوجود طيف معين، والحل يكمن في من يملك الرغبة، ويمكن أن يسير به، حتى من دون المعارضة إن كانت «متصلبة» أو رافضة له، فعندما يقتنع الشارع العام به، لن يجدي رفض المعارضة له، وقد يسحب البساط من تحت قدمها، عندما يجد الناس أن أحلامهم وطموحاتهم تحققت حتى وإن رفضتها المعارضة.
كما أن أي حل لا يرضي الشارع العام، حتى وان وافقت عليه المعارضة، لن يكون مجدياً، في ظل الحديث عن قوة ذلك الشارع، وتبعية «المعارضة» له وتأثرها به، وقد جربت البحرين الكثير من الحلول والقوانين، لكنها كلها لم تجد في إنهاء ما نعيشه من ازمات بل بعضها زاد من وتيرتها وتعقيدها.
هناك دعوات لإيجاد قوى أخرى يمكن أن تلعب محل «قوى المعارضة» أو شخصيات أخرى يمكن أن تحل محل الشخصيات «التقليدية» للمعارضة، ولا أعتقد أنه يوجد من يرفض وجود تلك القوى أو الشخصيات في حال قدرتها وامتلاكها حلاًّ ينهي الأزمة في البحرين، فمن يستطيع أن يخوض المعترك السياسي ويجد حلولاً واقعية تقبلها جميع الأطراف سيكون مرحباً به أيضاً، ولا أعتقد أن المعارضة في البحرين سترفضه، إلا إذا رغبت في أن تخسر قواعدها ومكانتها، فالناس تنتظر الحل من أي كان، ولن تسمح لأحد أن يقف في طريق ذلك، حتى وإن كانت «المعارضة».
هناك من يعتقد أن «المعارضة» منزهة أو أنها وحي منزل من السماء، ولا تخطئ، ولذلك يرى في مواقفها الكاملة الصواب، وهناك من يرى أنها أخطأت في بعض المواقف، ويجب عليها مراجعة تلك المواقف، وهناك من يجد نفسه أكثر قدرة من قيادات المعارضة الحالية على إدارة الأزمة وحلها، وكل ذلك حقٌّ للجميع، لكن من يجد في نفسه القدرة فعليه أن يتقدم ويبادر من دون أن ينتظر من أحد أن يفسح له المجال ليساهم في الحل وخلاص البلاد والعباد، وهذا الميدان يا حميدان، ونتمنى التوفيق للجميع.