المؤتمر الصحافي للقوى الوطنية الديمقراطية المعارضة
الموقف من الانتخابات النيابية القادمة
31 مايو 2014
إن الاستفراد وتهميش الشعب بكل مكوناته هو جوهر المشكلة التي عانت وتعاني منها البحرين، وهذه المسألة هي السبب الرئيسي لدائرة الأزمات المستمرة في حياة هذا الوطن (ما قبل الاستقلال وما بعد الاستقلال)، وما تفرزه هذه الأزمات من ضياع فرص التنمية والتحديث في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وإعاقة بناء الدولة الحديثة.
إن ما قام به الحكم من إدخال العناوين الحديثة للدولة من دستور وانتخابات ومجلسي نواب وشورى ومجلس وزراء ووزراء ومحاكم قد تم تفريغها بشكل ممنهج من أي مضمون حقيقي تتحقق من خلاله الدولة الديمقراطية الحديثة، وبقت القرارات والإدارة الفعلية بعيداً كل البعد عن هذه المسميات الشكلية، فالحكم يتجاوز في صلاحياته ونفوذه كافة مسميات الدولة.
وقد أمل الشعب -وخاب أمله- في أن يكون الاستقلال وصياغة الدستور سنة 1973 بداية لمرحلة الانتقال للنظام الديموقراطي، إلا أن الواقع جرى غير ذلك فقد انتفضت مفاهيم العقلية الاستئثارية وأوقفت بناء الدولة لصالح استمرار استئثار الحكم بالسلطات ويتم تعيين أعضائها بناء على قرار الحكم وليس بناء على متطلبات الدولة والإرادة الشعبية.
وقد استطاع الحكم ومجلس وزرائها عبر قانون أمن الدولة حكم البلاد بالحديد والنار واستمر ذلك حتى سنة 2001م عندما تم التوافق على ميثاق العمل الوطني لإخراج البلاد من الواقع الذي فُرض منذ سنة 1975م. فقد بشّر الميثاق بمبادئ أساسية في مقدمتها المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وزيادة مشاركة الشعب في إدارة شئون البلاد عبر العودة للحكم الدستوري وتطبيق مبدأ “الملكية الدستورية على غرار الديمقراطيات العريقة”، وقد تم التوافق على أن يتولى المجلس المنتخب السلطة التشريعية الكاملة في التشريع والرقابة وأن يكون مجلس الشورى لتقديم “الاستشارة فقط”، وأن لا تعدٍ على دستور 1973م، لكن الحكم نكث بهذا الاتفاق فأصدر دستور 2002م بعيداً عن الإرادة الشعبية، وأنشأ بذلك مجلساً منتخباً تحت وصايا وفيتو مجلس الشورى المعين، وأفرغ الانتخابات والمجلس المنتخب من صلاحياته التشريعية وصعب إلى حد الاستحالة صلاحياته الرقابية عبر سلبه حقه في تبعية ديوان الرقابة المالية، وجعل حجب الثقة عن رئيس الوزراء تحت عنوان عدم القدرة على التعاون تحتاج إلى ثلثي المجلس المنتخب المكون من المجلسين، وأن حجب الثقة عن الوزير تحتاج إلى ثلثي مجلس النواب. لذلك، وعلى مدى ثلاث دورات، لم يجد المواطن حجبا للثقة عن أي وزير، رغم كل القصور والفساد المنتشر كالسرطان في وزارات الدولة.
كما احتكر الحكم رسم الدوائر الانتخابية بعقلية طائفية وعقلية معارضة وموالاة بعيدا عن الروح الوطنية ومبدأ المساواة بين المواطنين، بحيث يضمن تزييف الإرادة الشعبية مسبقاً عبر زيادة عدد نواب الموالاة على حساب نواب المعارضة، وابرز مثال صارخ على ذلك هو ما أفرزته نتائج انتخابات مجلس 2010 حيث حصلت المعارضة على 83 ألف صوتا وحصدت 18 مقعد، بينما حصل مجموع نواب الموالاة على 47 ألف صوتا فقط.
وبالرغم من ذلك حاولت القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة إصلاح هذا الوضع الفاسد والخاطئ وشارك بعضها في انتخابات 2002 بينما شاركت جميعها في انتخابات 2006 و 2010، وقد أثبتت التجربة العملية أن محاولة إحداث أي إصلاح حقيقي من داخل هذا المجلس غير ممكنة نتيجة للصلاحيات المطلقة للملك، وهيمنة مجلس الشورى وعدم تمثيل الحكومة لإرادة الشعب، واقتصرت انجازات المجلس في اشتراك المعارضة في التحقيق من سوء الأوضاع وتحقيق بعض المكاسب المعيشية المحدودة للشعب، أما القضايا الكبرى السياسية كالدستور المعبر عن الإرادة الشعبية، أو المساواة بين المواطنين، فقد استمرت الأوضاع فيها تتنقل من سيئ إلى أسوأ، فزاد التمييز على الأسس الطائفية والقبلية وعلى أساس المعارضة والموالاة في شتى مناحي الحياة، واستمر التجنيس السياسي بدون توقف ليدمر نسيج الوطن، واستمر الفساد المالي والإداري دون تراجع بالرغم من أنه انكشف عبر وسائل الإعلام وجهود النواب، إلا أنّ النتيجة اقتصرت على الكشف، فالأراضي المُقدّرة بـ 100كم2 لم تعد للشعب بعد أن استولت عليها فئة قليلة متنفذة في القرار الاقتصادي والسياسي، بل أن أراضٍ أخرى تم الاستيلاء عليها بنفس الأساليب بعد التحقيق البرلماني على خلاف توصيات مجلس النواب.
وبسبب دستور 2002 وفساد الحكومة وتخلفها، ساهمت مشاركة المعارضة في المجلس بين سنة 2002م و2010م في ترسيخ قناعة الجمهور في عدم إمكانية أي إصلاح جدي من خلال هذا الدستور وهذا المجلس وهو ما ساهم بطريقة غير مباشرة في شحن برميل البارود الاجتماعي الذي انفجر مع الربيع العربي في 14 فبراير 2011، وأن العودة إلى المشاركة على نفس القواعد هو عودة إلى الفشل مجدداً وزيادة الاحتقان الشعبي وهذا لا يتناسب مع قوى وطنية مسئولة حريصة على مصلحة هذا الوطن.
إن قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية، وهي تمارس قناعاتها وتتخذ مواقفها بمسئولية وطنية جامعة، حريصة كل الحرص على ضرورة إيجاد مخرج حقيقي للازمة السياسية الدستورية عبر معالجة أسباب تفجرها، وذلك عبر مفاوضات جدية يقتنع فيها الجميع بحجم المأزق الذي تعاني منه بلادنا البحرين وجذور الأزمة السياسية الدستورية، وضرورة مغادرة عقلية الحلول الشكلية التي تروج لها حفلات العلاقات العامة وحملاتها الدعائية الفاقدة للمسئولية والحس الوطني الجامع باستنزافها عشرات الملايين من الدولارات من المال العام وخزينة الدولة التي هي في أمس الحاجة إلىها لحل الأزمات المعيشية المتناسلة.
وعليه فإن مشاركة المعارضة في أي انتخابات قادمة متوقفة على وجود اتفاق سياسي واضح يفضي إلى توافق على صياغة دستورية جديدة تحقق المبدأ الدستوري “نظام الحكم في البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً”، بحيث تتحقق انتخابات حرة ونزيهة تقوم على أساس المساواة بين المواطنين ومجلس تشريعي يختص لوحده بكامل الصلاحية التشريعية والرقابية وحكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية، وقيام قضاء مستقل وأمن للجميع، فضلا عن تنفيذ التزامات الحكم تجاه المجتمع الدولي المتمثلة في توصيات اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي وذلك من خلال الإفراج عن معتقلي الرأي والضمير، والبدء بالإفراج عن الأطفال والنساء وطلبة المدارس والجامعات وكبار السن والمرضى من المعتقلين، ولجم خطاب التحريض على كراهية الاخر الذي يقوده الاعلام الرسمي ضد المعارضة السياسية وفئة واسعة من المجتمع. كما ان انزلاق الحكم الى تعظيم العصبوية الاستئثارية على حساب المواطنة المتساوية واستمرار الحل الامني بكل ادواته الباطشة سيؤدي الى مزيد من التدهور وعدم الاستقرار وتهديد السلم الاهلي.
وأن رفض الحكم الدخول في المفاوضات الجدية ورفضه التوافق على حل للأزمة، يضع البلاد أمام مستقبل غامض، كما سيضع المعارضة أمام خيار وحيد ينطلق من دوافعها الوطنية وهو الاستمرار في الحراك الشعبي السلمي الذي انطلق في 14 فبراير 2011 والعمل على زيادة زخم هذا الحراك بمختلف الوسائل المشروعة والمتاحة أمام الشعوب الحرة لتغيير واقعها وبناء الديمقراطية الحقيقية.
إن على الدول المحبة للبحرين أن تقدم النصيحة وتمارس جهودها من أجل حمل النظام المستبد والمتفرد بالقرار السياسي بعيداً عن الإرادة الشعبية على الاستجابة للمطالب الشعبية العادلة والمحقة والضرورية لتحقيق الاستقرار الشامل والدائم، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يطلب أحد من الشعب أن يقبل بالتهميش والإقصاء واستمرار الاستبداد والفساد يتحكم في حاضره ومستقبله.
هذا هو موقف المعارضة من أي انتخابات قادمة والمبني على حقائق الواقع والتجربة وأن تغير هذا الموقف يحتاج إلى تغيير الواقع عبر توافق دستوري جديد من خلال عملية سياسية جامعة.
وفي الختام، تؤكد المعارضة على محورية الوحدة الوطنية بجميع مراحلها وصورها في عملها وبرامجها، كما تتمسك بالتكامل في العمل السياسي على قاعدة العمل السلمي والحضاري البعيد عن العنف المرفوض.