جميل المحاري
لقد أثبت المجلس الوطني بشقيه (النواب والشورى)، أنه لن يكون في يوم من الأيام جزءًا من الحل المرتقب للأزمة الدائرة في البلد، وإنما هو أساساً جزء من المشكلة.
فلقد تقدم المجلس الوطني خلال الاجتماع الإستثنائي يوم الأحد الماضي، بـ 22 توصية، أعلنتها وزيرة الدولة لشئون الإعلام للصحافيين خلال فترة الاستراحة التي سبقت التصويت عليها من قبل المجلس الوطني، أي قبل التصويت عليها، ولم تكن بينها أية إشارة إلى أهمية وضع حلول تخرج البلد من أزمته التي ستدخل قريباً عامها الثالث، ولم تشر أيٌّ منها إلى اتخاذ إجراءات تقرب من إعادة اللحمة الوطنية أو المصالحة بين مكونات الشعب ولا حتى النظر في إيجاد حلول سياسية.
وبالطبع لم تشر هذه التوصيات إلى ما يستخدم من عنف وتجاوز ضد المواطنين، ومعاقبة من استخدم أساليب التعذيب في السجون لإرغام المعتقلين على الاعتراف، ما أسفر عن سقوط العديد من القتلى في داخل السجون من بينهم عبد الكريم فخراوي، وعلي العشيري، وعلي صقر، وذلك ما أثبته تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
جميع التوصيات التي خرجت تصبّ في خانة تشديد العقوبات، وإسقاط الجنسيات ومنع المسيرات في العاصمة، وتشديد القبضة الأمنية، وكأن كل هذه الأمور لم تطبق بشكل عملي من قبل، ولا أحد يعرف كيف يمكن لهذه الإجراءات أن تسهم في استتباب الاستقرار، فحتى معالي وزير الداخلية أشار في حديثه الرسمي إلى أنه لا يمكن «القضاء على العنف والإرهاب بين ليلة وضحاها»، ما يعني أن هذه التوصيات لن تضيف شيئاً لواقع الأمر، ولن تسهم بقليل أو كثير في حل العنف المستخدم في الشارع سواءً من قبل هذا الطرف أو ذاك.
بالطبع هناك مداخلات لعدد بسيط جداً من النواب والشوريين الذين سعوا إلى أن يأخذ هذا الاجتماع الاستثنائي مسلكاً آخر، وأن يساهم ولو بشكل بسيط في تهيئة الظروف لطرح عقلائي وتهدئة الأوضاع، بدلاً من سكب الزيت على النار المشتعلة أصلاً، ولكن للأسف لقد قوبل هؤلاء، بالسباب مما دعاهم للانسحاب من الجلسة.
ما حدث لعضو مجلس الشورى علي العصفور يمكن أن يكشف نوايا البعض وموقفهم من موضوع المصالحة الوطنية، حيث أنه تقدم باقتراح بتشكيل «لجنة للحكماء»، وقال «إن البلد لا تخلو من الطائفتين الكريمتين ممن يسعى إلى المصارحة والمصالحة، بدلاً من سن القوانين وتشديدها»، فما كان من وزير العدل إلا اتهامه بأنه يطرح عناوين لا تحمل معنى حقيقياً، ما دعا العصفور إلى سحب اقتراحه «لأنه أزعج وزير العدل، ولأنه ثبت أن المصالحة والمصارحة ليست هدفاً في هذا الوطن». وأعلن بعدها انسحابه من الجلسة، فما كان من أحد النواب إلا أن يقول له «اطلع بره»!