«المصالحة الوطنية» ليست عملية ورقية
منصور الجمري
في 9 يناير/ كانون الثاني 2012 وقّع أعضاء مجلس الشورى على اقتراح عضو المجلس دلال الزايد بشأن وثيقة المصالحة الوطنية التي حملت عنوان «لأجلك يا بلادي يدك بيدي… متصالحين… متحابّين… متماسكين». ونص الاقتراح على أن تكون الوثيقة برعاية رئيس مجلس الشورى علي صالح الصالح كونه رئيس اللجنة الوطنية لتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
وبحسب هذا المقترح فإن المصالحة ستكون على ثلاث مراحل… الأولى تتمثل في الإعلان عن الاقتراح، وهذه المرحلة تمّت وانتهت. المرحلة الثانية تتمثل في تعميم المبادرة على مؤسسات الدولة الدستورية، جميع الوزارات والهيئات الحكومية والرسمية، المؤسسات التعليمية والتربوية الحكومية والخاصة، القطاع الخاص، مؤسسات المجتمع المدني، الجمعيات السياسية والمهنية. أما المرحلة الثالثة فهي تجميع الوثائق الموقعة وتسليمها إلى جلالة الملك، ومن ثم تحفظ في متحف «الصرح الوطني».
ومن الناحية المبدئية، فإن أيَّ جهد نحو المصالحة يجب أن نؤيّده، ولكن المقترح يتعامل مع الموضوع – كما يبدو – على أساس «ورقي»، وأن يتم توقيع الأوراق وتحفظ في المتحف، بينما «المصالحة الوطنية» أصبحت علماً سياسياً قائماً على تجارب ناجحة عالمياً، وهي مختلفة تماماً عن مقترح مجلس الشورى.
مفهوم «المصالحة الوطنية» ينطلق من أن «العدوانية» ليست متأصلة في الإنسان، لأن الإنسان مدني وسلمي بطبعه، ولكن مجريات الأمور قد تؤدّي إلى أخطاء مجحفة من إنسان لأخيه الإنسان. وقد أثبتت التجارب الماثلة أمامنا أن بإمكان المجتمعات المجروحة أن تنهض مرة أخرى عبر ثقافة مدنية سلمية تتخذ من معاهدات حقوق الإنسان منطلقاً للعلاقات فيما بينها.
ولذا فإن مفهوم «المصالحة الوطنية» يرتبط بصورة وثيقة بأوضاع البلدان التي تتعرض لانتكاسات وانتهاكات، تحدث خلالها ممارسات تمس فئات المجتمع بشكل يعوق الإصلاح ما لم تكن هناك إرادة وطنية تقبل بـ «قول الحقيقة» والإفصاح عمّا حدث، ومن ثم الدخول في مسيرة «العدالة الانتقالية» التي تتمثل في إمّا أن يغفر كل طرف للآخر ما حدث (بعد الاعتراف بما حدث وطلب العفو من الطرف المعتدى عليه)، وإمّا المعاقبة، ومن ثم جبر الضرر. والمعاقبة ليست هدفاً بحدِّ ذاتها، ولكن تحقيق العدالة (بحسب ما هو مطروح في مواثيق حقوق الإنسان) أمر أساسي لتحقيق المصالحة.
«قول الحقيقة»، و «جبر الضرر» جوهران أساسيان في أية مصالحة وطنية، وتحقيق المصالحة على هذا الأساس يسمو بالمجتمع نحو التسامح، ويخلص البلدان من الحالات المزمنة لعدم الاستقرار، ويفسح المجال لتنمية اقتصادية مستدامة