هاني الفردان
منذ زمن طويل نحن نسمع عن مصطلح «المصالحة الوطنية»، وعلى مدى شهور وسنوات، تطل علينا بين الفينة والأخرى نسمات وأحاديث تقال هنا وهناك، ومواثيق تتحدث عن مصالحة وطنية.
الحديث عن المصالحة الوطنية، يجب أن يسبقه اعتراف بوجود خلل ومشكلة تستدعي وجود هذا النوع من المصطلحات المدنية المتطورة، والتي لا يمكن طرحها في أي بلد ما لم تكن هناك مشكلة حقيقية يجب الاعتراف بها أولاً.
المصالحة الوطنية بحسب المصطفى صوليح (كاتب في مجال التربية على حقوق الإنسان والمواطنة) هي السعي المشترك نحو إلغاء عوائق الماضي واستمراريتها السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتصحيح ما ترتب عنها من غبن ومآس وأخطاء وانتهاكات وجرائم جسيمة، والقطع نهائياً من قبل الجميع مع الحلول العنيفة في معالجة الملفات والقضايا المختلف حولها، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل وذلك من خلال التأسيس في الحاضر لِلَـبنات غير مزيفة أو كاذبة للديمقراطية وللمشاركة المتساوية».
المصالحة الوطنية تسعى لإنجاز توافق وطني بين الأقطاب الحقيقية للخلاف الحقيقي في أي بلد بعيداً عن أي أقطاب مصطنعة أو مفتعلة من شأنها أن تحرف معنى المصالحة وتجرها لخانة البهرجة الإعلامية، من دون تلمس الخلاف الحقيقي الذي لن يزول دون اعتراف صريح وواضح به.
في البحرين، الخلاف السياسي واضح للجميع، ولا يمكن أبداً تجاوزه أو حتى الالتفاف عليه، وبالتالي عندما تريد جهة ما، التفكير في مشروع المصالحة الوطنية، عليها أولاً وضع يدها على قطبي الخلاف الحقيقي، ومن ثم إنجاز التوافق الوطني في إطاره الحضاري للمجتمع في «خطة شمولية ومتكاملة، محددة، ودقيقة، تسترشد بالمبادئ الأساسية المستخلصة من تجارب فض النزاعات بالطرق الهادئة وتخضع لمضمون القانون الدولي وإجراءاته الملزمة والآمرة للدولة وحكوماتها المتعاقبة».
ما يحدث حالياً من طرح وثيقة للمصالحة الوطنية أعدها مجلس الشورى، لا تخرج عن نطاق الورق المكتوب عليها، إذ ان هذه الوثيقة، لا تعكس الواقع المعاش، ولا حقيقة الخلاف، ولم تطرح رؤى ومخارج لأزمة ثقة امتدت لسنوات طويلة بين الحاكم والمحكوم، تزايدت حموتها في السنة الماضية.
ربما نسمع أن أعداداً كبيرة وقعت على هذه الوثيقة، في ظل ممارسة الترهيب المستخدم على موظفي القطاع العام والشركات الكبرى، للتوقيع عليها، إذ بالتأكيد من لا يوقع فهو ضدها ولا يريد المصالحة، حتى لو لم يقتنع بها ولا تعكس حقيقة فهمه للمصالحة الحقيقية التي يرتضيها.
مثل هذه الوثيقة لن تخرج البلد من أزمته، ولن تنهي الخلاف، ولن تضمد الجراح، ولن تغير من الواقع شيئاً، ومثل هذه الوثيقة لن تكون إلا أوراقاً ستغلف بغلاف مخملي جميل جداً، وتعلق على رفوف المكاتب، وربما تباع ويجبر الناس على شرائها أيضاً كما حدث من قبل في الكثير من الشواهد.
المصالحة الوطنية تعني صفحة بيضاء جديدة، خالية من السجون والدماء، والقمع والترهيب، خالية من كل أنواع الاستبداد، يكون فيها كل المواطنين سواسية في القدر والمقام، وتؤسس لحركة تصحيحية جديدة، تعترف بأحقية الشعب في أن يكون مصدر السلطات، وإلا فأي مشروع للمصالحة الوطنية يخرج عن ذلك، فهو مجرد مضيعة للوقت وذر للرماد في العيون وتلاعب بمشاعر البحرينيين