قضايا الخليج العربي والشرق الأوسط والمشروع الأمريكي في هذه المنطقة من العالم الأكثر اضطراباً، كانت أحد المواضيع المطروحة للنقاش في رحاب "مجلة الآداب والفنون" الإنجليزية التي كنت تحدثت عنها في هذه الزاوية من الأسبوع الماضي وما قبله والحق أنني لم أحضر ندوة أو حلقة نقاشية أو ورشة عمل عن الخليج العربي أو الشرق الأوسط دون أن أجد ثلة من المشتغلين بالرأي العالم يناصرون السياسة الأمريكية والمنهج الذي تتبعه تلك السياسة الظالمة لأمتنا العربية والإسلامية، وفريق آخر يرفض كل طروحات تلك الثلة.
أحد المشاركين في هذه الحوارات وهو من أصول عربية لكنه في تقديري "متأمرك" أي من مثقفي "المارينز" زين صاحبنا كل ما فعلته وتفعله السياسة الأمريكية في المنطقة فمثلاً: قال إن أمريكا حمت الخليج العربي من توغل الاتحاد السوفيتي إبان تواجده في أفغانستان، وقال إن السياسة الأمريكية هي التي تصدت للشيوعية ومنعت انتشارها في المنطقة. وأثنى على دور أمريكا في إسقاط النظام السياسي في العراق وإحلال الديمقراطية وبث إشعاعها ليشمل المنطقة العربية وراح يستشهد بالديمقراطية الراهنة في مصر بقيادة الرئيس حسني مبارك ودور أمريكا العظيم كما قال في إحلال السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومحاربة الإرهاب في اليمن والسودان والقرن الإفريقي والجزيرة العربية وراح يدعو إلى تزايد الدور والنفوذ الأمريكي في المنطقة.
من الممكن أن نتفهم هذا الرأي من شخصية ليست عربية أما أن تكون هذه الأفكار صادرة من لسان عربي فإن الأمر فيه خطورة على مستقبل أجيال أمتنا العربية، لقد تصدى لهذه الأفكار بعض المشاركين من غير العرب لمعرفتهم بمشاكل الشرق الأوسط.
كانت مداخلتي وبعيداً عن الانفعال أن الكثير من المحللين الذين يقَوّمون الدور الأمريكي المتطلع لفرض السيادة الأمريكية على العالم بقبولهم من البداية البطل الأمريكي المنتصر دائماً في المسرح أي كان ذلك المسرح، إلا أن التجارب التاريخية طبقاً لمنهج الملاحظة والمقارنة تشهد على قانونية تغير هذه النظرة الأمر الذي يضعف المنتصرين ويعطي فرصة مفاجئة للذين شطبهم أولئك المنتصرون من حساباتهم.
في العراق جاء البطل الأمريكي ومعه جحافل عسكرية أوروبية مدججة بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة، وكان "البطل الأمريكي" يشعر بالزهو وأنه لا بطل سواه وأن الأرض ومن عليها أصبحت في قبضته وأنه في طريقة في التمدد في كل الاتجاهات ليكتمل دور البطل باستسلام الخصوم وفرض إرادة ذلك المنتصر على الكل، لكن البطل لم يتمتع بالنصر المبين وراح يجر أذيال خيبته تحت إصرار مقاومة من أراد شطبهم "الشعب العراقي العظيم" وراح يبحث عن ذرائع للهروب من العراق رغم أنه قيد عملاءه الذين أتى بهم ونصبهم على سيادة العراق بمجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات لمصلحة المحتل.
في لبنان رغم كل الظروف الطائفية المتناحرة في لبنان إلا أن "الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم "حسب تثقيفية لجنوده قد هزم في مواجهة المقاومة اللبنانية وكذلك هزم أمام إصرار المقاومة الوطنية في غزة. "البطل الأمريكي" في أفغانستان حاول شطب الشعب الأفغاني بانتصاره في إسقاط النظام في كابل، لكن دارت الدوائر على ذلك المنتصر رغم استعانته بقوات حلف الناتو واليوم يعد الأيام لانسحابه المهين من أفغانستان.
إن الاختلاف الجوهري في التحليل العلمي السياسي السائد حالياً في أوساط صانعي النظريات وواضعي الخطط الإستراتيجية يرتكز على إهمالهم المعايير والأسس الروحية والإنسانية للتغيرات الحالية التي يشهدها العصر.
إنهم عندما يتحدثون عن الإنسان فإنه لا يعني هؤلاء سوى الإنسان المستهلك وأرضه المنتجة، بمعنى يتم من خلال ذلك الإنسان حصراً تصنيف دول وأقاليم بحسب حجم الاستهلاك الذي يتم من خلاله حصراً ومن هنا تتطلع القوى الباغية لفرض سيادتها على تلك الأقاليم، أمريكا تبحث عن البترول والغاز لتستبد به ولتستخدمه سلاحاً ضد منافسيها مثل الصين على سبيل المثال، إنها تبحث عن السوق الواسع لتصدير إنتاجها والمكانة الإستراتيجية.
إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تنصب على تسييد دولة "إسرائيل" وإرهاب الأنظمة العربية كي تستجيب لإرادة السياسة الأمريكية، وتغيير مناهج التعليم وترحيل الأجيال القادمة عن تاريخها الوطني، إنها تعمل على تغيير أنماط الاستهلاك في عالمنا العربي والإسلامي المحافظ (أنواع الطعام وجبات سريعة – الملابس خاصة ملابس النسوة التي تكاد تسقط عن خصر الأنثى)، إنها تعمل على تفتيت وحدة الأقطار العربية واحداً تلو الآخر النموذج العراق – والسودان، وغداً دول أخرى وقد نشرت خرائط التقسيم على كل مواقع الشبكة العنكبوتية لمن يريد أن يرى ذلك المشروع التفتيتي لأوطاننا العربية.
آخر القول: قيل في تلك الندوة المحدودة العدد الكثير عن حال أمتنا العربية ومستقبلها المظلم في ظل الأنظمة العربية الراهنة.