عبدالنبي العكري
لازالت ذاكرتي تحتفظ برسم كارتون للفنان عبدالله المحرقي وتعليقه «خبير في شرب البير»، وبالفعل فإن مملكة دلمون هي الأعجب في العالم فيما يخص باستقدام وتوظيف وتجنيس من تسمّيهم خبراء ومستشارين. والجميع يتذكر تصريح المستشار الإعلامي في حادثة تحطم طائرة طيران الخليج المؤسفة في 2000، حيث صرح أنها سقطت وهي مقلعة من البحرين إلى القاهرة، وهو عكس الحقيقة، إذ سقطت وهي تحاول الهبوط في رحلة العودة من القاهرة إلى البحرين. لكن هذا المستشار الإعلامي الجهبذ ظل في موقعه، ليطلّ من فترة لأخرى ضمن حملات التشويه والتضليل.
مثل هذا المستشار مئاتٌ من المستشارين الترزية وخبراء الغفلة، الذين تعج بهم بعض وزارات ومؤسسات وشركات الدولة، بحيث يمكن أن تدخل مملكة دلمون موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية من حيث نسبة ومكانة المستشارين والخبراء الذين كانوا أجانب وأصبحوا اليوم فجأةً مواطنين!
وهؤلاء ليسوا خبراء في العلوم أو الطب أو التكنولوجيا أو الهندسة والطيران، بل إن تخصصاتهم غير علمية، ومعظمهم من متقاعدي الوزارات والأجهزة البيروقراطية في بلدانهم. أما النوع الآخر فهو حشد الأساتذة الجامعيين وغيرهم من أساتذة المراحل الأخرى والذين يسبق اسم كل واحد منهم حرف الدال، وهنا أيضاً فغالبيتهم ليسوا من الاختصاصات العلمية، وقد يكونون مؤهلين لوظيفتهم لكن ذلك في كثير من الأحيان على حساب المؤهلين البحرينيين، بل إن ليس لبعضهم كفاءات أعلى من البحرينيين. وقد أظهرت فضيحة توظيف المئات من المدرسين من جنسيات أخرى من قبل وزارة التربية، والتخصصات الطبية من قبل وزارة الصحة، وغيرها من الوزارات، أن ذلك يتم في ظلّ وجود بحرينيين مؤهلين عاطلين عن العمل، لكن جريمتهم أنهم ينتمون إلى مكوّن معيّن، غير مرغوب فيه!
أما الظاهرة الثالثة فهي استقدام ما يدعون بخبراء إلقاء محاضرات، أو تنظيم ورش عمل وغيرها في شتى المواضيع والتخصصات من قبل المعاهد والمؤسسات المستحدثة، ضمن تضخّم جهاز الدولة. ومثال ذلك استقدام مؤسسة لمدربٍ على تنظيم الحملات الانتخابية، بينما سبق للجمعية البحرينية للشفافية أن نظمت مثل هذه النشاطات في 2002 و2006، من قبل مدربين بحرينيين قادهم رئيس الجمعية السابق جاسم العجمي. وبالفعل يقوم اليوم البحرينيون في المجتمع المدني بكفاءةٍ، بتدريب إخوانهم العرب في مختلف التخصصات ويراقبون الانتخابات.
أما الظاهرة الرابعة، فهي ما يجسّد مقولة «مطرب الحي لا يطرب»، حيث تتوالى علينا المهرجانات الفنية بمختلف التسميات، مهرجان الربيع، مهرجان المنامة، مهرجان الموسيقى، حيث تتقاطر الفرق الفنية والفنانون والموسيقيون والرسامون وغيرهم، وهو شيء جيّد في إطار التلاقح والتفاعل الحضاري، ولكن أليس في أرض دلمون فنانون وموسيقيون ورسامون ليكونوا ضمن هذه التظاهرات.
مملكة دلمون ولأسباب معروفة، تستبعد الكفاءات والمواهب البحرينية، وتستورد محلها اللاكفاءات واللامواهب، وتغدق عليهم العطاءات بل وتجنيسهم. وذلك في ظاهرة راسخة وتجلٍّ لعقيدة سياسية قديمة، عبّر عنها الشاعر الوطني عبدالرحمن المعاودة في الخمسينيات في بيته الشهير:
يشقى بنوها والنعيم لغيرهم
وكأنها والحال عين عذاري.
أو كما يقول المثل الشعبي «عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب»… وعش رجباً ترى عجباً.