لست من أهل المحرق، ولا من كثيري ارتيادها، وذلك لقلة أقربائي فيها، إلا أن المحرق تبقى جزءاً من وطني وبلدي، وأهلها أهلي جميعاً سنة وشيعة.
المحرق، بعبقها وتراثها وتاريخها، كانت الحاضنة لكل تلاوين الشعب، والمثال الصارخ والبارز على أصالة المواطن البحريني الذي لا يفرق بين أهله، فتجد القرى مختلطة، والناس مندمجون، لا فوارق بينهم، ولا ضغائن.
ما حدث في المحرق يوم الخميس الماضي، أمر دخيل، ولا يمكن أبداً أن يكون صادراً من أهل المحرق الذين اعتادوا على بعضهم وتعايشوا وتفهموا لعادات وتقاليد بعضهم البعض، فلم نشهد قبل يوم الخميس سوى حادث واحد فقط على مدى التاريخ كاد أن يضرب اللحمة الوطنية في مدينة المحرق.
تاريخ المحرق شاهد، لا يمكن لأحد أن ينفرد به، أو التخندق خلفه، أو جر المدينة التاريخية بعبقها إلى هواه، ونزعاته الآثمة الهادفة لتشتيت وتمزيق أهل المحرق.
ما حدث في المحرق، كان ربما لجر هذه المدينة لتوتر طائفي على الساحة البحرينية بطبيعة تكوينها المختلط.
ما حدث في المحرق، لم يكن اعتباطيا، ولا فجائيا، أو صادرا من أطفال وجهال، بل كان نتاجا حقيقيا لتجاهل حملة تحريض وتخوين وبث كراهية، اعتلت المنابر ليس في المحرق فقط بل في كل مكان، وأباحت الكثير في حق هذا الشعب العظيم.
ما حدث في المحرق، نتاج عملية مقصودة لتحويل المدينة المندمجة بأهلها، لـ «كانتونات» وخصوصاً ما حدث في مناطق مختلفة، وإخراج الآخرين منها من خلال الضغط عليهم في ممارسة معتقداتهم التي كفلها الدستور لهم.
ومع كل ذلك ستبقى المحرق، هي المحرق بقوتها وبصلابتها وقدرتها على تجاوز كل تلك الصعاب، لأن فيها رجالاً وطنيين، همهم الأول والأخير وحدة وتماسك هذا الوطن، قبل أي شيء.
في المحرق هناك إخوان سنة وشيعة، لن تفرقهم أبداً عصا الطائفية ونارها التي يريد أن يشعلها «الدخلاء» و «الجهلاء» بعظمة هذه المدينة ومكانتها، وقدرتها على تجاوز الصعاب ولمِّ الشمل من جديد.
ستبقى المحرق كما كانت رمزاً للمدينة الحاضنة لكل تلاوين المجتمع البحريني، وعظمة في حلق كل من يريد ويهدف لتمزيق المجتمع وتحويله لتجمعات منعزلة، ليحقق بذلك مخططاته الفئوية والطائفية، ولضمان موقعه، ومكانه.
المحرق عصية على كل من يريد لها الانكسار، التمزق، التخندق، ولن تكون هناك جدران فاصلة بين فرقان الحياج، الصاغة، البنائين وغيرهم، وفرجان البنعلي و «الحالات»، وبن هندي وغيرهم، وستبقى البيوت مفتوحة لبعضهم البعض والطرقات لهم، والمحلات بينهم.
ستبقى المحرق كما عودتنا حاضنة الجميع..
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3341 – الإثنين 31 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي الحجة 1432هـ